قوله تعالى : (وَما هُمْ) أي : السحرة (بِضارِّينَ بِهِ) أي : السحر (مِنْ أَحَدٍ) أي : أحدا ومن صلة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : إرادته ؛ لأنّ الأسباب غير مؤثرة بالذات بل بإرادته تعالى : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ) في الآخرة (وَلا يَنْفَعُهُمْ) وهو السحر ؛ لأنهم يقصدون به العمل أو لأنّ العلم يجرّ إلى العمل غالبا (وَلَقَدْ) اللام لام القسم (عَلِمُوا) أي : اليهود (لَمَنِ) اللام لام الابتداء علقت علموا عن العمل ومن موصولة (اشْتَراهُ) أي : استبدل ما تتلوا الشياطين بكتاب الله تعالى (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي : نصيب في الجنة (وَلَبِئْسَ ما) أي : شيئا (شَرَوْا) أي : باعوا (بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي : الشارين أي : حظها من الآخرة أن يتعلموه حيث أوجب لهم النار (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) حقيقة ما يصيرون إليه من العذاب ما تعلموه.
وقيل : معناه لو كانوا يعملون بعلمهم فإنّ من لم يعمل بما علم كان كمن لم يعلم.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ) أي : اليهود (آمَنُوا) بالنبيّ والقرآن (وَاتَّقَوْا) عقاب الله بترك معاصيه كنبذ كتاب الله تعالى واتباع السحر وجواب لو محذوف أي : لأثيبوا دلّ عليه (لَمَثُوبَةٌ) أي : ثواب وهو مبتدأ واللام فيه للقسم وقوله تعالى : (مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) خبره أي : خير مما اشتروا به أنفسهم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أنّ ثواب الله تعالى خير لما آثروه عليه فجهلهم الله تعالى لترك التدبر والعمل بالعلم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم (راعِنا) أمر من المراعاة و «كانوا يقولون ذلك للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فلما سمع اليهود هذه اللفظة من المسلمين وكانت كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية وهو راعنا قالوا فيما بينهم : كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا به الآن فكانوا يأتون ويقولون : يا محمد راعنا وهم يعنون به تلك المسبة ويضحكون فيما بينهم فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها وكان يعرف لغتهم فقال لليهود : يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من أحد منكم يقولها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لأضربنّ عنقه فقالوا : أولستم تقولونها فأنزل الله تعالى النهي عن ذلك لكي لا يجد اليهود بذلك سبيلا إلى شتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمروا بما هو في معناها وهو قوله تعالى : (وَقُولُوا انْظُرْنا») أي : انظر إلينا وقيل : اسمع منا قاله مجاهد وقيل : لا تعجل علينا قاله ابن زيد (وَاسْمَعُوا) ما تؤمرون به سماع قبول لا كسماع اليهود حيث قالوا : سمعنا وعصينا أو واسمعوا ما أمرتم به بجدّ حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه من قولكم : راعنا (وَلِلْكافِرِينَ) أي : الذين تهاونوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وسبوه (عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم وهو النار.
ونزل في تكذيب جمع من اليهود يظهرون مودّة المؤمنين ويزعمون أنهم يودّون لهم الخير. (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) وقوله تعالى : (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) أي : من العرب عطف على أهل الكتاب ومن للبيان ؛ لأنّ الذين كفروا جنس تحته نوعان : أهل الكتاب والمشركون كقوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) [البينة ، ١] والمودّة محبة الشيء مع تمنيه ولذلك تستعمل في كل منهما (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) فسر الخير بالوحي والمعنى أنهم يحسدونكم به وما يحبون أن ينزل عليكم من شيء منه وفسر بالعلم والنصرة والمراد به ما يعمّ ذلك كما قاله البيضاويّ : ومن الأولى مزيدة للاستغراق ومن الثانية لابتداء الغاية (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) أي : بنبوّته كما قاله عليّ رضي الله تعالى عنه ومجاهد ، أو بالإسلام كما قاله ابن عباس ومقاتل (مَنْ يَشاءُ) ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة ولا يجب عليه شيء وليس لأحد عليه حق (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ) وهو ابتداء إحسانه بلا علة وقوله تعالى : (الْعَظِيمِ) فيه إشعار بأن