ليتكلفوا الفقاهة (فِي الدِّينِ) ويتجشموا مشاق تحصيلها ليعرفوا الحلال من الحرام ويعودوا إلى أوطانهم (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) أي : وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة إرشاد القوم وإنذارهم وتخصيصه بالذكر لأنه أهمّ وفيه دليل على أنّ التفقه والتذكير من فروض الكفاية وأنه ينبغي أن يكون غرض المتكلم فيه أن يستقيم ويقيم لا الترفع على الناس وصرف وجوههم إليه والتبسط في البلاد ليدخل في قوله صلىاللهعليهوسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (١) وفي قوله صلىاللهعليهوسلم : «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» (٢) وفي قوله صلىاللهعليهوسلم : «من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله تعالى له طريقا إلى الجنة» (٣)(لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) عقاب الله تعالى بامتثال أمره ونهيه ، وعلى الاحتمال الثاني يقال : إنه لما نزل في المتخلفين ما نزل سبق المؤمنين إلى النفير وانقطعوا عن التفقه فأمروا بأن ينفر من كل فرقة طائفة إلى الجهاد ويمكث الباقون يتفقهون حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لأنّ الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود من البعثة فيكون الضمير في ليتفقهوا ولينذروا لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو وفي رجعوا للطوائف ولينذروا لباقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا أيام غيبتهم من العلوم قال ابن عباس : فهذه مخصوصة بالسرايا والتي قبلها بالنهي عن تخلف أحد فيما إذا خرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب كما أمر صلىاللهعليهوسلم أوّلا بإنذار عشيرته الأقربين ، وقد حارب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قومه ثم غيرهم من عرب الحجاز ثم غزا الشام ، وقيل : هم قريظة والنضير وفدك وخيبر ، وقيل : الروم لأنهم كانوا يسكنون الشام والشام أقرب إلى المدينة من العراق وغيره وهكذا المفروض على أهل كل ناحية أن يقاتلوا من وليهم ما لم يضطرّوا إلى أهل ناحية أخرى (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أي : شدّة وصبرا على القتال والغلظة ضدّ الرقة أي : اغلظوا عليهم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالعون والنصرة والحراسة.
__________________
(١) أخرجه البخاري في العلم حديث ٧١ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠٣٧ ، والترمذي في العلم حديث ٢٦٤٥ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٢٢٠ ، والدارمي في المقدمة حديث ٢٢٤.
(٢) أخرجه الترمذي في العلم حديث ٢٦٨٥ ، والدارمي في المقدمة حديث ٢٨٩.
(٣) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٦٩٩ ، والترمذي في العلم حديث ٢٦٤٦ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٢٢٣.