الصفة الثالثة قوله تعالى : (الْحامِدُونَ) وهم الذين يقومون بحق شكر الله تعالى على نعمه دينا ودنيا ويجعلون إظهار ذلك عادة لهم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أوّل من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السرّاء والضرّاء» (١).
الصفة الرابعة قوله تعالى : (السَّائِحُونَ) واختلف في المراد منهم فقال ابن مسعود وابن عباس : هم الصائمون قال ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما ذكر في القرآن من السياحة فهو الصوم وقال صلىاللهعليهوسلم : «سياح أمّتي الصوم» (٢) وعن الحسن أنّ هذا صوم الفرض ، وقيل : هم الذين يديمون الصيام ، قال الأزهري : قيل للصائم سائح لأنّ الذي يسيح في الأرض متعبدا لا زاد معه كان ممسكا عن الأكل والصائم ممسك عن الأكل فلهذا المشابهة يسمى الصائم سائحا ، وقال عطاء : السائحون الغزاة في سبيل الله تعالى.
وروي عن عثمان بن مظعون أنه قال : يا رسول الله ائذن لنا في السياحة فقال : «إنّ سياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله» (٣) وقال عطاء : السائحون هم طلاب العلم والسياحة أمر عظيم في تكميل النفس لأنه يلقى أفاضل مختلفين فيستفيد من كل واحد فائدة مخصوصة وقد يلقى الأكابر من الناس فيستحقر نفسه في مقابلتهم وقد يصل إلى المدارسة الكثيرة فينتفع بها وقد يشاهد اختلاف أحوال أهل الدنيا بسبب ما خلق الله تعالى في كل طرف من الأحوال الخاصة بهم فتقوى معرفته وبالجملة فالسياحة لها أثر قوي في الدين.
الصفة الخامسة والسادسة : قوله تعالى : (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) أي : المصلون وإنما عبر عن الصلاة بالركوع والسجود لأنّ بهما يتميز المصلي عن غيره بخلاف حالة القيام والقعود لأنهما حالة المصلي وغيره ولأنّ القيام أوّل مراتب التواضع لله تعالى والركوع وسطها والسجود غايتها فخص الركوع والسجود بالذكر لدلالتهما على غاية التواضع والعبودية تنبيها على أن المقصود من الصلاة نهاية الخضوع والتعظيم.
الصفة السابعة والثامنة : وقوله تعالى : (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي : الآمرون بالإيمان والطاعة والناهون عن الشرك والمعصية ودخول الواو في والناهون عن المنكر للدلالة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة فكأنه قال : الجامعون بين الوصفين ولأنّ العرب تعطف بالواو على السبعة ومنه قوله تعالى : (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف ، ٢٢] وقوله تعالى في صفة الجنة : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر ، ٧٣] إيذانا بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث إن السبعة هو العدد التامّ والثامن تعداد آخر معطوف عليه ولذلك تسمى واو الثمانية ، وقيل : الموصوف بهذه الصفات هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وعلى هذا يكون قوله تعالى : (التَّائِبُونَ) إلى قوله : (السَّاجِدُونَ) مبتدأ خبره هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
الصفة التاسعة : قوله تعالى : (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) أي : لأحكامه بالعمل بها والمقصود
__________________
(١) أخرجه بنحوه الحاكم في المستدرك ١ / ٥٠٢ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٩٥ ، والسيوطي في الدر المنثور ٣ / ٢٨١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦٤١٠ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٢ / ٤٣٧.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسيره ٨ / ٢٧٠ ، بلفظ : «سياحة أمتي الصيام».
(٣) أخرجه أبو داود في الجهاد حديث ٢٤٨٦ ، ٢٤٨٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ١٦١ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٧٣ ، ٤٩٧ ، والطبراني في المعجم الكبير ٨ / ٢١٦ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ١٢٤.