لعلها تبدي عذرا أو تتوب عما وقع منها بغير عذر ، وخرج بالمضجع الهجر بالكلام ، فلا يجوز الهجر فوق ثلاثة أيام ويجوز فيها للخبر الصحيح : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» (١) إن قصد بهجرها ردّها لحظ نفسه فإن قصد به ردّها عن المعصية وإصلاح دينها فلا تحريم إذ النشوز حينئذ عذر شرعيّ ، والهجر له في الكلام جائز مطلقا ، ومنه هجره صلىاللهعليهوسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) فيما يراد منهنّ (فَلا تَبْغُوا) أي : لا تطلبوا (عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى ضربهنّ ظلما واجعلوا ما كان بينهنّ كأن لم يكن ، «فإنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (٢) ، رواه الطبرانيّ وابن ماجه وغيرهما (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهنّ فإنه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم.
(وَإِنْ خِفْتُمْ) أي : علمتم (شِقاقَ) أي : خلاف (بَيْنِهِما) أي : بين المرء وزوجه وذكرهما بضميرهما وإن لم يجر ذكرهما لجري ما يدلّ عليهما وهو الرجال والنساء ، وإضافة الشقاق إلى الظرف إمّا لإجرائه مجرى المفعول به كقوله : يا سارق الليلة أهل الدار ، أو الفاعل كقولهم نهارك صائم (فَابْعَثُوا) أي : أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالهما إليهما لكن برضاهما (حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ) أي : أقاربه (وَحَكَماً) آخر (مِنْ أَهْلِها) أي : أقاربها لينظرا في أمرهما بعد اختلاء حكمه به وحكمها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك ويصلحا بينهما ، أو يفرّقا إن عسر الإصلاح على ما يأتي ، فإنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح.
تنبيه : بعث الحكمين على سبيل الوجوب ، وكونهما من الأقارب على سبيل الندب وهما وكيلان لهما فاشترط رضاهما لا حكمان من جهة الحاكم ؛ لأنّ الحال يؤدّي إلى الفراق ، والبضع حق الزوج ، والمال حق الزوجة ، وهما رشيدان فلا يولي عليهما في حقهما ، فيوكل هو حكمه بطلاق أو خلع ، وتوكل هي حكمها ببذل عوض وقبول طلاق ، ويشترط فيهما إسلام وحرية وعدالة واهتداء إلى المقصود من بعثهما ، له وإنما اشترط فيهما ذلك مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه ، ويسنّ كونهما ذكرين ولا يكفي حكم واحد (إِنْ يُرِيدا) أي : الحكمان (إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) أي : الزوجين أي : إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله تعالى بورك في وساطتهما وأوقع الله بطيب أنفسهما وحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والإلفة ، وألقى في نفوسهما المودّة والرحمة ، وقيل : الضمير الأوّل للزوجين ، والثاني للحكمين أي : إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الحكمين اختلافهما حتى يعملا بالصلاح ، وقيل : الضميران للحكمين أي : إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما لتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما ، وقيل : للزوجين أي : إن أرادا الإصلاح وزوال الشقاق : أوقع الله بينهما الإلفة والوفاق ، وفيه تنبيه على أنّ من أصلح نيته فيما يتحرّاه أصلح الله تعالى مبتغاه ، وإن لم يرضيا ببعثهما ولم يتفقا على شيء أدب الحاكم الظالم واستوفى للمظلوم حقه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بكل
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٧٦ ، ومسلم في البر حديث ٢٥٥٩ ، وأبو داود في الأدب حديث ٤٩١٠ ، والترمذي في البر حديث ١٩٣٥.
(٢) أخرجه ابن ماجه حديث ٤٢٥٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠ / ١٥٤ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٠١٤٩ ، ١٠١٧٤ ، ١٠٤٢٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٢٠٠ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٩٧.