وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «لما نزلت أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الغنيمة وهي أوّل غنيمة في الإسلام» والسائلون هم المشركون ، كتبوا إليه تشنيعا وتعييرا ، وقيل : أصحاب السرية قالوا : يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي ، ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة ، ٥].
وقوله تعالى : (قِتالٍ فِيهِ) بدل اشتمال من الشهر (قُلْ) لهم (قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) أي : عظيم وزر ، أو قد تمّ الكلام ههنا ، ثم ابتدأ فقال : (وَصَدٌّ) فهو مبتدأ أي : منع الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : دينه (وَكُفْرٌ بِهِ) أي : الله (وَ) صدّ عن (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : مكة (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) وهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون ، وخبر المبتدأ وما عطف عليه (أَكْبَرُ) أي : أعظم وزرا (عِنْدَ اللهِ) مما فعلته السرية من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام خطأ ، وبناء على الظنّ.
ومما تقرّر علم أنّ (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) معطوف على سبيل الله وقول البيضاوي : ولا يحسن عطفه على سبيل الله لأنّ عطف قوله تعالى : (وَكُفْرٌ بِهِ) على (وَصَدٌّ) مانع منه مجاب عنه بأنّ الكفر بالله والصدّ عن سبيله متحدان معنى فكأنه لا فصل بالأجنبيّ بين سبيل الله وما عطف عليه ، ويصح أيضا أن يكون معطوفا على الهاء من به ، إذ يجوز العطف بدون إعادة الجار كما جرى عليه ابن مالك ، وإن كان مذهب البصريين خلافه ، وجرى عليه البيضاوي.
(وَالْفِتْنَةُ) أي : الشرك منكم (أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) لكم فيه ، فلما نزلت هذه الآية كتب عبد الله ابن أنيس إلى مؤمني مكة إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين من مكة ، ومنعهم المسلمين عن البيت.
(وَلا يَزالُونَ) أي : الكفار (يُقاتِلُونَكُمْ) أيها المؤمنون (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) إلى الكفر ، في ذلك إخبار عن دوام عداوة الكفار لهم ، وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردّوهم عن دينهم ، وحتى للتعليل لا للغاية كما قيل ؛ لأنه أفيد من حيث إنّ فيه ذكر الحامل على المقاتلة بخلاف الغاية أي : يقاتلونكم كي يردّوكم وقوله تعالى : (إِنِ اسْتَطاعُوا) فيه استبعاد لاستطاعتهم ، كقول الرجل لعدوّه : إن ظفرت بي فلا تبق عليّ ، وهو واثق بأنه لا يظفر به. (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ) أي : بطلت (أَعْمالُهُمْ) أي : الصالحة (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فلا اعتداد بها ولا ثواب عليها ، والتقييد بالموت يفيد أنه لو رجع إلى الإسلام لم يبطل عمله كما هو مذهب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه ، خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، حيث قال : إنّ الردّة تحبط الأعمال مطلقا لقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ) [المائدة ، ٥] وأجيب : بأنه محمول على المقيد عملا بالدليل ، فلا يجب عليه أن يعيد الحج الذي أتى به قبل الردّة كذا غيره ، لكن يبطل ثوابه كما نص عليه الشافعيّ رضي الله تعالى عنه وإن خالف فيه بعض المتأخرين (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) كسائر الكفرة.
ولما ظنّ السرية أنهم إن سلموا من الإثم فلا يحصل لهم أجر أنزل الله تعالى.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) أي : فارقوا عشائرهم ومنازلهم وأموالهم (وَجاهَدُوا) المشركين (فِي سَبِيلِ اللهِ) لإعلاء دينه ، وكرّر سبحانه وتعالى الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد ، وكأنهما مستقلان في تحقيق الرجاء (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) أي : ثوابه أثبت لهم الرجاء إشعارا