خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠))
(يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (ما ذا) أي : الذي (يُنْفِقُونَ ،) والسائل كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : عمرو بن الجموح الأنصاري ، وكان شيخا فانيا ذا مال عظيم ، فقال : يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزل : (قُلْ) لهم (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي : مال قليلا كان أو كثيرا ، (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أي : هم أولى به سأل عن المنفق فأجيب : ببيان المصرف ؛ لأنه أهمّ فإنّ اعتداد النفقة باعتباره ، ولأنه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكورا في الآية ، واقتصر في بيان المنفق على ما تضمنه قوله ما أنفقتم من خير (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) إنفاق وغيره (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) فيجازيكم به.
تنبيه : ليس في الآية ما ينافي فرض الزكاة لينسخ به كما قيل ؛ لأنّ الزكاة لا تعطى للوالدين ولا للأقربين من الأولاد وأولاد الأولاد ، فالآية محمولة على الإنفاق على من ذكر تطوّعا أو على الإنفاق على الفقراء من الوالدين والأولاد وأولاد الأولاد ، وذلك ليس بمنسوخ.
(كُتِبَ) أي : فرض (عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) للكفار (وَهُوَ كُرْهٌ) أي : مكروه (لَكُمْ) طبعا للمشقة (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وهو جميع ما كلفتم به فإنه الموجب لسعادتكم ، فلعل لكم في القتال ـ وإن كرهتموه ـ خيرا ؛ لأنّ فيه إمّا الظفر والغنيمة وإمّا الشهادة والأجر (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) وهو جميع ما نهيتم عنه ، فإنّ النفس تحبه وتهواه ، وهو يهوي بها إلى الردى ، ففي ترك القتال ـ وإن أحببتموه ـ شرّ ؛ لأنّ فيه الذل والفقر وحرمان الأجر ، وإنما ذكر عسى ؛ لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما هو خير لكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به.
(يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) المحرّم ، روي أنه عليه الصلاة والسّلام بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة ، قبل قتال بدر بشهرين ، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة ؛ ليترصد عيرا لقريش فيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي ، وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها تجارة من تجارة الطائف ، وكان ذلك غرّة رجب ، وهم يظنونه جمادى الآخرة فقالت قريش : قد استحلّ محمد الشهر الحرام الذي يأمن فيه الخائف ، ويتفرّق فيه الناس إلى معايشهم ، فسفك فيه الدماء ، وأخذ الأسارى ، وعيّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين ، وقالوا : يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام ، وقاتلتم فيه ، وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا : ما نبرح حتى تنزل توبتنا وردّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم العير والأسارى.