(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي : أمر هلاكهم وفرغ منهم ووضع الماضي موضع المستقبل لدنوّه وتيقن وقوعه (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) في الآخرة فيجازيهم ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم ، والباقون بضمّ التاء وفتح الجيم وقوله تعالى :
(سَلْ) أمر للرسول أو لكل أحد (بَنِي إِسْرائِيلَ) توبيخا (كَمْ آتَيْناهُمْ) كم استفهامية معلقة سل عن المفعول الثاني وهي ثاني مفعولي آتيناهم ومميزها (مِنْ آيَةٍ) أي : معجزة (بَيِّنَةٍ) أي : ظاهرة في الدلالة على صدق من جاء بها كقلب العصا حية ، وإبراء الأكمه والأبرص وفلق البحر وإنزال المنّ والسلوى فبدّلوها كفرا.
(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) أي : ما أنعم به عليه من الآيات لأنها سبب الهداية التي هي أجل النعم كفرا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) أي : وصلته وتمكن من معرفتها (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فيعاقبه أشدّ عقوبة لأنه ارتكب أشدّ جريمة وهي التبديل.
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي : حسنت في أعينهم وأشربت محبتها في قلوبهم ، حتى تهالكوا عليها ، وأعرضوا عن غيرها ، والمزين في الحقيقة هو الله تعالى ، إذ ما من شيء إلا وهو فاعله ، وكل من الشيطان والقوّة الحيوانية ، وما خلق الله فيها من الأمور البهيمية والأشياء الشهية مزين بالعرض ، واختلف في سبب نزول هذه الآية فقيل : نزلت في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه وكانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : يستهزؤون بالفقراء من المؤمنين قال ابن عباس : أراد بالذين آمنوا عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيبا وبلالا وخبابا وأمثالهم ، وقال قتادة : نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه كانوا يتنعمون في الدنيا ، ويسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين ويقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم ، وقال عطاء : نزلت في رؤساء اليهود من بني قريظة والنضير وقينقاع سخروا من فقراء المهاجرين فوعدهم الله أن يعطيهم أموال بني قريظة والنضير بغير قتال.
(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا) أي : الشرك وهم هؤلاء الفقراء (فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنهم في أعلى عليين وهم في أسفل السافلين ، أو حالهم غالبة لحالهم ؛ لأنهم في كرامة وهم في هوان أو هم غالبون عليهم متطاولون يضحكون منهم ، كما يتطاول هؤلاء عليهم في الدنيا ، ويرون الفضل لهم عليهم ، فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون.
روي عن أسامة بن زيد أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وقفت على باب الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين ، ووقفت على باب النار فرأيت أكثر أهلها النساء ، وإذا أهل الجدّ محبوسون إلا من كان منهم من أهل النار فقد أمر به إلى النار» (١).
وروي عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال : مرّ رجل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لرجل عنده جالس : «ما رأيك في هذا؟» قال رجل من أشراف الناس : هذا والله حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع قال : فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم مرّ رجل آخر فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما رأيك في هذا؟» فقال : يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري ـ أي حقيق ـ إن خطب أن لا
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٢٠٦١١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٦٦٦٢.