وأسباب المعاش أو في معنى الدنيا ، لأن ادعاءه المحبة بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا ولا يريد به الآخرة ، كما يراد بالإيمان الحقيقي والمحبة الصادقة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، فكلامه إذا في الدنيا لا في الآخرة أو يعجبك قوله في الحياة الدنيا حلاوة وفصاحة ، ولا يعجبك في الآخرة لما يرهقه في الموقف من الدهشة واللكنة ، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه.
(وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) أنه موافق لكلامه (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) أي : شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك وقال الحسن : ألدّ الخصام أي : كاذب بالقول ، وقال قتادة : شديد القسوة في المعصية جدل بالباطل ، يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة. وفي الحديث : «إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم» (١).
(وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢) كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (٢١٤))
(وَإِذا تَوَلَّى) أي : انصرف عنك بعد إلانة القول وحلاوة المنطق (سَعى) أي : مشى (فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) قال ابن جرير بقطع الرحم وسفك دماء المسلمين (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) وذلك أنّ الأخنس كان بينه وبين ثقيف خصومة ، فبيتهم ليلا فأحرق زرعهم وأهلك مواشيهم ، وقيل : وإذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل ، وقيل : يظهر الظلم حتى يمنع الله تعالى بشؤم ظلمه القطر فيهلك الحرث والنسل ، وحكى الزجاج عن قوم : أنّ الحرث النساء والنسل الأولاد قال : وهذا ليس بمنكر لأنّ المرأة تسمى حرثا أي : ويدل له قوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة ، ٢٢٣] (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) أي : لا يرضى به ؛ لأنّ المحبة وهي ميل القلب محالة في حقه تعالى : فهي مستعملة في حقه تعالى في معنى الرضا.
(وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ) في فعلك (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ) أي : حملته الأنفة والحمية على العمل
__________________
(١) أخرجه البخاري في المظالم حديث ٢٤٥٧ ، ومسلم في العلم حديث ٢٦٦٨ ، والترمذي في التفسير حديث ٢٩٧٦ ، والنسائي في القضاة حديث ٥٤٢٣.