كسبوا من الأعمال الحسنة ، أو من أجل ما كسبوا كقوله تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح ، ٢٥] ، ويجوز أن يكون أولئك للفريقين جميعا ، وأن لكل فريق نصيبا من جنس ما كسبوا (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي : إذا حاسب فحسابه سريع لا يحتاج إلى عقد يد ولا وعي صدر ولا روية فكر ، قال الحسن : أسرع من لمح البصر ، وفي الحديث : «يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا» (١).
(وَاذْكُرُوا اللهَ) أي : كبروه أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها ، (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) أي : أيام التشريق الثلاثة وسميت معدودات لقلتهن كقوله تعالى : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف ، ٢٠] ، والأيام المعلومات عشر ذي الحجة آخرهن يوم النحر ، والتكبير في الأيام المعدودات عقب كل صلاة ولو فائتة ونافلة مشروع في حق الحاج وغيره ، لكن غير الحاج يكبر من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيام التشريق للاتباع ، رواه الحاكم (٢) وصحح إسناده. وأما الحاج فيكبر من ظهر يوم النحر لأنها أوّل صلاته بمنى ، ولا يسن التكبير عقب صلاة عيد الفطر لعدم وروده.
(فَمَنْ تَعَجَّلَ) أي : استعجل بالنفر من منى (فِي يَوْمَيْنِ) أي : في ثاني أيام التشريق بعد رمي جماره بعد الزوال عند الشافعيّ وأصحابه قال في «الكشاف» وعند أبي حنيفة وأصحابه ينفر قبل طلوع الفجر (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بالتعجيل (وَمَنْ تَأَخَّرَ) حتى بات ليلة الثالث ورمى جماره بعد زواله عندنا ، أو قال في «الكشاف» : يجوز تقديم الرمي على الزوال عند أبي حنيفة (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بذلك أي : هم مخيرون في ذلك.
فإن قيل : أليس التأخير أفضل؟ أجيب : بأنّ التخيير يقع بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار ، وإن كان الصوم أفضل عند عدم المشقة ، وقيل : إن أهل الجاهلية كانوا فريقين : منهم من جعل المتعجل آثما ومنهم من جعل المتأخر آثما ، فورد القرآن بنفي الإثم عنهما جميعا ، وذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر (لِمَنِ اتَّقى) الله تعالى في حجه ، لأنه الحاجّ على الحقيقة عند الله تعالى ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٣).
(وَاتَّقُوا اللهَ) في مجامع أموركم ليعبأ بكم (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ) أي : يعظم في نفسك ومنه الشيء العجيب الذي يعظم في النفس ، وهو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة واسمه أبيّ وسمي الأخنس ، لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن القتال مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان منافقا حلو المنظر ، حلو الكلام للنبي صلىاللهعليهوسلم ، يحلف أنه مؤمن به ومحب له ، ويقول : يعلم الله أني صادق ، وكان رسول صلىاللهعليهوسلم يدني مجلسه.
وقوله تعالى : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) متعلق بالقول ، أي : يعجبك ما يقول في أمور الدنيا
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٨ / ٢٨٣ ، بلفظ : «يحاسبكم الله بمقدار ما بين الصلاتين».
(٢) انظر الحاكم في المستدرك ١ / ٤٣٩.
(٣) تقدم الحديث مع تخريجه قبل قليل.