في إذا مدلول كتب لا الوصية لتقدّمه عليها وجواب إنّ أي : فليوص (لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) بالعدل فلا يفضل الغني ولا يتجاوز الثلث لما روي عن سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : «جاءني النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعودني فقلت : يا رسول الله أوصي بمالي كله قال : لا قلت : فالشطر قال : لا قلت : فالثلث قال : الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس بأيديهم» (١) أي : يسألون الناس الصدقة بأكفهم ، وقوله تعالى : (حَقًّا) مصدر قال البيضاويّ تبعا للزمخشريّ وغيره مؤكد لمضمون الجملة قبله أي : حق ذلك حقا وردّه أبو حيان بأنّ قوله تعالى على المتقين متعلق بحقا أو صفة له وكل منهما يخرجه عن التأكيد ، أما الأوّل فلأن المصدر المؤكد لا يعمل إنما يعمل المصدر الذي ينحل إلى حرف مصدري ، والفعل أو المصدر الذي هو بدل من اللفظ بالفعل ، وأمّا الثاني فلأنّ حقا مصدر مخصص بالصفة فلا يكون مؤكدا وقيل : حقا نعت لمصدر كتب أو أوصى أي : كتبا أو إيصاء حقا وقيل : حال من مصدر أحدهما معرّفا وقيل : نصب على المفعولية أي : جعل الوصية حقا (عَلَى الْمُتَّقِينَ) الله وهذا منسوخ بآية المواريث وبقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث» (٢) بناء على الأصح من أن الكتاب ينسخ بالسنة وإن لم تتواتر وبذلك ظهر ما في قول بعضهم : إنّ الكتاب لا ينسخ بالسنة وإن الحديث من الآحاد.
(فَمَنْ بَدَّلَهُ) أي : غيره من الأوصياء والشهود (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) أي : وصل إليه علمه وتحقق عنده (فَإِنَّما إِثْمُهُ) أي : الإيصاء المبدل (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) والميت بريء منه ، وفي هذا إقامة الظاهر مقام المضمر (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما وصى به الموصي (عَلِيمٌ) بفعل الوصي فيجازيه عليه وفي هذا وعيد للمبدّل بغير حق.
(فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ) أي : توقع وعلم كقوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة ، ٢٢٩] أي : علمتم وقرأ حمزة بإمالة الألف بعد الخاء من خاف حيث جاء ، وقرأ شعبة وحمزة والكسائي بفتح الواو من موص وتشديد الصاد ، والباقون بسكون الواو وتخفيف الصاد (جَنَفاً) أي : ميلا عن الحق بالخطأ في الوصية (أَوْ إِثْماً) بأن تعمد الحيف في الوصية (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) بين الوصي والموصى لهم بإجرائهم على نهج الشرع (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) في هذا التبديل ؛ لأنه تبديل ؛ باطل إلى الحق بخلاف الأوّل (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيه وعد للمصلح وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم وكون الفعل من جنس ما يؤثم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ) أي : فرض (عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) هو لغة : الإمساك عما تنازع فيه النفس ومنه قوله تعالى : (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) [مريم ، ٢٦] أي : صمتا ؛ لأنه إمساك عن الكلام. وفي الشرع : الإمساك عن المفطرات مع النية فإنها معظم ما تشتهيه النفس (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم. قال عليّ رضي الله تعالى
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز حديث ١٢٩٥ ، ومسلم في الوصية حديث ١٦٢٨ ، وأبو داود في الوصايا حديث ٢٨٦٤ ، والترمذي في الوصايا حديث ٢١١٦ ، والنسائي في الوصايا حديث ٣٦٢٦ ، وابن ماجه في الوصايا حديث ٢٧٠٨.
(٢) أخرجه أبو داود في الإجازة حديث ٣٥٦٥ ، والترمذي في الوصايا حديث ٢١٢٠ ، وابن ماجه في الوصايا حديث ٢٧١٣.