عنه : أوّلهم آدم يعني أنّ الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمّة من افتراضها عليهم لم يفرضها عليكم وحدكم.
وفي قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) إلخ .. توكيد للحكم وترغيب على الفعل وتطييب على النفس وفي موضع التشبيه في كاف كما كتب قولان : أحدهما أنّ التشبيه في حكم الصوم وصفته لا في عدده. قال سعيد بن جبير : كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم أنه لم يحل له أن يطعم إلى الليلة القابلة والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو عليهم ثابت وقد أرخص لكم هذا ، فعلى هذا تكون هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ) [البقرة ، ١٨٧] الآية فإنها فرقت بين صوم أهل الكتاب وبين صوم المسلمين ، والثاني : إنه كصومهم في عدد الأيام لما روي أنّ رمضان كتب على أهل الإنجيل فأصابهم موتان ـ أي : وهو بضم الميم ـ موت يقع على الماشية فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده ، فجعلوه خمسين وقيل : كان يقع في الحرّ الشديد وكان يشق عليهم في أسفارهم ويضرّهم في معايشهم فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف فجعلوه في الربيع وقالوا : نزيد عشرين يوما تكفر ما صنعنا. قال السديّ عن مشايخه ، وقيل : زادوا فيه عشرة أيام أولا كفارة لما صنعوا ، فصار أربعين يوما ثم أن ملكهم اشتكى فمه فجعل لله عليه إن هو شفي من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعا ، فبرأ فزاد فيه أسبوعا ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال : أتموه خمسين يوما وعلى هذا تكون الآية محكمة لا منسوخة.
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) بصومكم للمعاصي ، فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها كما قال عليه الصلاة والسّلام : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ـ أي : مؤن» (١) النكاح ـ فليتزوّج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي : قاطع لشهوته أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين ؛ لأن الصوم شعارهم وقوله تعالى :
(أَيَّاماً) نصب بصوموا مقدّرا بينهما لدلالة الصيام عليه بالصيام لوقوع الفصل بينهما (مَعْدُوداتٍ) أي : قلائل كقوله تعالى : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف ، ٢٠] وأصله أنّ المال القليل يقدر بالعدد ويحكر فيه والكثير يهال هيلا ويحثى حثيا أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي وقلله تسهيلا على المكلفين وقيل : هي عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر كتب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم صيامها حين هاجر ثم نسخت بشهر رمضان (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) مرضا يضرّه الصوم ويعسر معه (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي : مسافرا سفر قصر (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي : فعليه صوم عدّة أيام المرض والسفر من أيام أخر إن أفطر ، فحذف الشرط وهو إن أفطر والمضاف وهو صوم والمضاف إليه وهو أيام المرض والسفر للعلم بها.
واختلفوا في المرض الذي يبيح الفطر ، والأصح فيه ما قدّرناه وذهب أهل الظاهر إلى أنّ ما ينطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين : فقد دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع أصبعه وفي السفر الذي يباح فيه الفطر والأصح فيه أيضا ما قدّرناه وهو مرحلتان.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصوم باب ١٠ ، والنكاح باب ٢ ، ٣ ، ومسلم في النكاح حديث ١ ، ٢ ، والنسائي في الصيام باب ٤٣ ، وابن ماجه في النكاح باب ١ ، والدارمي في النكاح باب ٢ ، وأحمد في المسند ١ / ٥٧ ، ٣٧٨ ، ٤٢٤ ، ٤٢٥ ، ٤٣٢.