قوله تعالى : (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق ، ١٢] وقيل : أراد بالأمّة أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَأَرِنا) علّمنا (مَناسِكَنا) شرائع ديننا وأعلام حجنا ، والنسك في الأصل غاية العبادة وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن المعتاد كالصيد والتمتع باللباس وغيره ، والناسك العابد فأجاب الله تعالى دعاءهما وبعث لهما جبريل عليهالسلام فأراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغ عرفات قال : عرفت يا إبراهيم قال : نعم فسمي الوقت عرفة والموضع عرفات ، وقرأ ابن كثير والسوسي أرنا بسكون الراء وقرأ الدوري عن أبي عمرو باختلاس حركة الراء والباقون بالحركة الكاملة (وَتُبْ عَلَيْنا) سأله التوبة مع عصمتهما هضما لأنفسهما وإرشادا لذرّيتهما أو لما سلف منهما سهوا قبل النبوّة (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ) لمن تاب (الرَّحِيمُ) به.
(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ) أي : الأمة المسلمة من ذرّية إبراهيم وإسماعيل (رَسُولاً مِنْهُمْ) أي : من أنفسهم.
روي أنه قيل له : قد استجيب لك وهو في آخر الزمان ، فبعث الله فيهم محمدا صلىاللهعليهوسلم إذ لم يبعث من ذرّيتهما غير محمد صلىاللهعليهوسلم إذ لم يأت نبيّ من ولد إسماعيل إلا النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والكل من ولد إسحاق ، فهو المجاب به دعوتهما كما قال عليه الصلاة والسّلام : «إني عند الله مكتوب خاتم النبيين ، وإنّ آدم لمنجدل في طينته ، وسأخبركم بأوّل أمري أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أميّ التي رأت حين وضعتني وقد خرج لها نور أضاءت له قصور الشام» (١) وأراد بدعوة إبراهيم هذا.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وشعيب وصالح ولوط وإبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب ومحمد صلىاللهعليهوسلم وعليهم أجمعين (يَتْلُوا) أي : يقرأ (عَلَيْهِمْ آياتِكَ) القرآن ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل التوحيد والنبوّة (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) أي : القرآن (وَالْحِكْمَةَ) أي : ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام ، وقال ابن قتيبة : هي العلم والعمل ولا يكون الرجل حكيما حتى يجمعهما.
وقال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة ، وقيل : هي فهم القرآن ، وقيل : الفقه في الدين ، وقيل : السنة (وَيُزَكِّيهِمْ) أي : يطهرهم من الشرك وقيل : يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذ اشهدوا هم للأنبياء بالتبليغ والتعديل (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد ، وقيل : هو الذي لا يوجد مثله وقيل : هو المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء (الْحَكِيمُ) في صنعه.
(وَمَنْ) أي : لا (يَرْغَبُ) أحد (عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) فيتركها لظهورها ووضوحها (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) أي : جهل أنها مخلوقة لله تعالى يجب عليه عبادته ، وذلك أنّ عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجر إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أنّ الله عزوجل قال في التوراة : إني باعث من ولد إسمعيل نبيا اسمه أحمد ، فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون ، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية قاله البيضاوي وغيره.
قال الأسيوطي : لم أقف على ذلك في شيء من كتب الحديث ولا التفاسير المسندة والمثبت مقدّم على غيره وقد جاء : من عرف نفسه فقد عرف ربه. وفي الأخبار أنّ الله أوحى إلى داود عليه
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٢٧ ، ١٢٨.