عبادة الله إلى الاعتصام به ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقوى عقبه بقوله : و (اتَّقُوا اللهَ) ، ولما كان حقيقة التقوى فعل الطاعات ، ولا سبيل للإنسان إلى معرفة ذلك إلا بحبل الله : أي كتابه ورسله أمر أن يعتصموا بحبله ليتوصلوا إلى تقواه ، ومن تقواه إلى الاعتصام به ، ومن توصل إلى الاعتصام ، ثم إلى التوكل ، ثم إلى الإسلام استغنى حينئذ عن الوسائط ، الذين هم حبل الله (١) ، ويصير
__________________
(١) هذا كلام غلاة الصوفية ، الذين ينتهي أمرهم إلى القول بإسقاط التكاليف الشرعية ، فقد فسرّ الراغب حبل الله تعالى بالكتاب والرسل ، فكيف يستغني الإنسان عن الكتاب والرسل طرفة عين؟ وقد بين ابن القيم رحمهالله غلط الصوفية في هذا الباب ، وأشار إلى أن منشأ خطئهم هو ظنهم أن شهود الحقيقة الكونية والفناء في توحيد الربوبية من مقامات العارفين ، فقال هؤلاء : القصد من الأوراد : الجمعية على الآمر ، فلماذا نشتغل عن المقصود بالوسيلة بعد الوصول إليه ، والرجوع من حضرته إلى منازل السفر إليه؟ وربما أنشد بعضهم :
يطالب بالأوراد من كان غافلا |
|
فكيف بقلب كل أوقاته ورد؟ |
وقد قسّم ابن القيم رحمهالله هؤلاء إلى أقسام : ـ فمنهم من أسقط الأوامر والنواهي جملة ، ويرى القيام بها من باب ضبط ناموس الشرع ومصلحة العموم ، فهي التي نحث أهل الغفلة على التشمير للسير ، فإذا جدّ في المسير استغنى بقربه وجمعيته عنها. ـ ومنهم من لا يرى سقوطها إلا عمن يشهد الحقيقة الكونية ، ووصل إلى مقام الفناء فيها ... وقد يقولون : شهود الإرادة يسقط الأمر ، وفي هذا المشهد يقولون : العارف لا يستقبح قبيحة ، ولا يستحسن حسنة. ـ ومنهم من يرى القيام بالأوامر والنواهي