قال : هذا منسوخ تصور من قوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) غاية الجهد من العبد ، وإن (مَا اسْتَطَعْتُمْ) هو قدر العفو ، فصار مقتضى ما استطعتم أخف من مقتضى حق تقاته (١) ، واستقبح أبو علي الجبّائي قول من قال : الآية منسوخة ، وقال : هذا جهل (٢) ، لأنه لا يجوز أن يبيح الله للناس أن يفعلوا بعض المعاصي وهذا تصور له وقع من قلة التثبت ، فقد علم أن فعل ما حظر الله في الشرع معصية ما دام الحظر قائما ، كتحريم الأكل والجماع بعد النوم في الصوم ، ثم لما زال الحظر زال كونه معصية. فكذا تقوى الله بغاية ما بلغه الجهد لا يمنع أن
__________________
ـ أمته إلى توحيد الله ، رقم (٧٣٧٣). ورواها مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب ما جاء في افتراق هذه الأمة ، رقم (٣٦٤٣). وابن ماجه في الزهد ـ باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة. رقم (٤٢٩٦). وأحمد في المسند (٥ / ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣٦ ، ٢٤٢).
(١) ذكر ذلك أبو الفرج ابن الجوزي في زاد المسير عن شيخه علي بن عبد الله أنه قال : «والاختلاف في نسخها وإحكامها يرجع إلى اختلاف المعنى المراد بها ، فالمعتقد نسخها يرى أن (حَقَّ تُقاتِهِ) الوقوف مع جميع ما يجب له ويستحقه ، وهذا يعجز الكل عن الوفاء به ، فتحصيله من الواحد ممتنع. والمعتقد إحكامها يرى أن (حق تقاته) أداء ما يلزم العبد على قدر طاقته ، فكان قوله تعالى : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) مفسرا ل (حق تقاته) ، لا ناسخا ولا مخصصا. زاد المسير (١ / ٤٣٢).
(٢) ورمى القاضي عبد الجبار المعتزلي القائلين بالنسخ بالجهل كذلك دون التصريح بلفظ الجهل ، فقد قال : «فقد روي عن بعض من لا يحصّل أنه منسوخ بقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).