حذرهم نفسه (١) ، ولتحذيره إياهم قال : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(٢) فإنه حذّرنا ، بخلاف ما يفعل الماكر ، وإلى مقتضى معناه أشار العرب بقول : أعذر من أنذر (٣) ، وفائدة قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ) في هذا المكان أنه لما ذكر قوله : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ) بيّن أنكم وإن اتقيتموهم فاحذروا الله ، فإنه يحذركم أن توالوهم (٤) بقلوبكم (٥).
قوله عزوجل : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٦) الأصل في الصّدر : الجارحة ، فاستعير لصدر المجلس والكتاب والكلام ، وصدره إذا أصاب صدره ، أو قصد نحو ظهره ، وكتفه ، وإذا عدّي بعن اقتضى الانصراف عنه ، والصدر يقال للمصدر اللفظي ولموضع الصّدر ، ولزمانه ، والصّدار الصّدرة (٧) يغطى
__________________
(١) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٦ / ٣٢١) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٢ / ٦٣٢) ، وابن المنذر في تفسيره (ق ١٩ ـ مخطوط).
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٥٤.
(٣) أي أقام العذر من خوّف قبل الفعل. انظر : جمهرة الأمثال (١ / ١٦٢).
(٤) في الأصل «توالوه» والسياق يقتضي ما ذكرته.
(٥) أشار إلى هذا المعنى : ابن جرير الطبري في «جامع البيان» (٦ / ٣١٧) ، والبيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١ / ١٥٥).
(٦) سورة آل عمران ، الآية : ٢٩.
(٧) في الأصل : التغيره : وليس له معنى ، وما أثبته هو المنصوص عليه في