واختلف : هل يؤتى الملك الفاسق والكافر؟ فمنهم من قال : لا يؤتاهما. وإليه ذهب البلخي (١) والجبائي (٢) ، وذلك لنظرهم إلى الملك الأول ، ولاعتبار قوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٣). ومنهم من قال : يؤتاهما ذلك ، وذلك لنظرهم إلى الثاني الذي هو التسلّط ، وكون ذلك أحد الأغراض الدنيوية (٤) ، ولهذا قال
__________________
ـ ص (٧٧٤ ، ٧٧٥) ، ومختار الصحاح ص (٦٣٣) ، والبحر المحيط (٢ / ٤٣٦ ، ٤٣٧).
(١) في الأصل : بلخي ، والبلخي : عبد الله بن أحمد بن محمود أبو القاسم البلخي الحنفي من متكلمي المعتزلة البغداديين ، أقام ببغداد مدة طويلة ، واشتهرت بها كتبه ، ثم عاد إلى بلخ ، فأقام بها إلى حين وفاته. له التفسير الكبير للقرآن العظيم ، توفي سنة ٣١٩ ه. انظر : تاريخ بغداد (٩ / ٣٨٤) ، ولسان الميزان (٣ / ٢٥٥) ، وطبقات المفسرين للداودي (١ / ٢٢٩).
(٢) ذكر فخر الدين الرازي قول الجبائي والمعتزلة في التفسير الكبير (٨ / ٦).
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٢٤.
(٤) وهذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة ، فالإيتاء في الآية هو الإيتاء الكوني القدري ، وهو لا يدلّ على محبة الله عزوجل لتولية الفاسق أو الكافر أو رضائه بذلك ، بل يدل على أنه شاء ذلك وقدّره كونا ، وهذه هي المرتبة الثانية من مراتب الإيمان بالقدر ، التي ذكرها شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية ، فقال : «وأما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة ، وقدرته الشاملة ، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله