بطلت في الدنيا والآخرة أعمالهم ، أما في الدنيا فلأنهم لم يحصّلوا منها محمدة ، وأما في الآخرة فلم يحصّلوا منها مثوبة ، وذلك نحو قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ / هَباءً مَنْثُوراً)(١).
إن قيل : لم قال : (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ولو قال : ما لهم من ناصر كان ذلك عاما لكونه نكرة منفية؟ قيل : لما كان القصد بهذه الآيات تثبيت الوحدانية ونفي الكثرات ، نبّه بلفظ الجمع على أن ناصر الناس واحد ، فكأنه قال : ما للناس ناصرون ، بل لهم ناصر واحد ، فيجب أن يطلب مرضاته ويتحرى مرسوماته ، وذلك نحو قوله : (هَلْ مِنْ خالِقٍ)(٢)(غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ)(٣) و (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ)(٤) ، وما أشبه ذلك من الآيات. (٥)
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٢٣.
(٢) في الأصل : من إله ، وأثبت نصّ الآية من المصحف.
(٣) سورة فاطر ، الآية : ٣.
(٤) سورة القصص ، الآية : ٧١.
(٥) وهناك علة أخرى للإتيان بلفظ الجمع هنا ذكرها أبو حيان حيث قال : «مجيء الجمع هنا أحسن من مجيء الإفراد ، لأنه رأس آية ، ولأنه بإزاء من للمؤمنين من الشفعاء الذين هم الملائكة والأنبياء وصالحو المؤمنين ، أي ليس لهم كأمثال هؤلاء» انظر : البحر المحيط (٢ / ٤٣١) ، وروح المعاني (٣ / ١١٠).