فإن قيل : ما وجه تكرير (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في الآية؟ قيل : لما كان منتهى إدراك الإنسان للبارئ تعالى أن يعرف الموجودات ، فيعلم أنه ليس إياها ولا مشبّها بشيء منها ، صار صفات التنزيه له أشرف من صفات التمجيد له ، إذ كان عامة صفات التمجيد في ألفاظها مشاركة (١) ، يصح وصف العباد بها ، ولأجل ذلك عظم ما ورد من صفاته على لفظ النفي ، نحو : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ
__________________
ـ للنحاس (١ / ٣٦٢) ، ومشكل إعراب القرآن لمكي (١ / ١٥٢) ، والمفصل مع شرحه التخمير (١ / ١٣٥ ـ ٤٣٧).
(١) هذه المشاركة لا تدل على المماثلة ، فهي مشاركة في الألفاظ فقط ، فعلم الله ليس كعلم البشر ، وقدرته ليست كقدرة البشر ، واستواؤه ليس كاستواء البشر ، «فإذا قيل : علم الله وكلام الله ونزوله واستواؤه ووجوده وحياته ونحو ذلك ، لم يدل ذلك على ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الأولى ، لم يدل ذلك على مماثلة الغير له في ذلك ... فلا يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثل علم غيره ، ولا كلامه مثل كلام غيره ، ولا استواؤه مثل استواء غيره ، ولا نزوله مثل نزول غيره ، ولا حياته مثل حياة غيره ، ولهذا كان مذهب السلف والأئمة : إثبات الصفات ونفي مماثلتها لصفات المخلوقات ... فالقول في صفاته كالقول في ذاته ، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها : كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها ؛ فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو كما يناسب ذاته ويليق بها ، كما أن صفة العبد هي كما تناسب ذاته وتليق بها ، ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته». انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٥ / ٣٢٩ ، ٣٣٠) ، والتدمريّة ص (٢٠ ـ ٣٠) ، ومنهاج السنّة (٢ / ١١٧) ، والجواب الصحيح (٤ / ٤٤ ـ ٤٦) ، ونقض التأسيس (١ / ٣٧٨ ـ ٣٨٢) ، وشرح العقيدة الطحاوية (١ / ٦٢).