فكانوا يرون عددا قليلا ورعبا كثيرا ، وعلى هذا [قال](١) تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ)(٢) ، والثالث : أنهم يرونهم مثليهم في الجلادة ، أي يرى كل واحد منهم أنه أجلد من الآخر بمثلين ، وذلك كقولك : رأيت فلانا مثلي فلان ، فتكون المماثلة راجعة إلى الجلادة (٣) ، لا إلى العدد ، وعلى هذا قد حمل قوله عزوجل : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً)(٤) أي في القوة والعدد ، لا في الكثرة والعدد ، (ويري) هاهنا متعدّ إلى مفعول واحد بدلالة تعليقه بالعين وقوله : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ) أي يكثر تأييده ، يقال : إدته ، أئيده ، أيدا ، نحو : بعته. أبيعه ، بيعا ، وآيدته على التكثير ، لكن أيّدت أكثر استعمالا. (٥)
ونصر الله على وجهين (٦) : أحدهما بالحجة. والثاني بالغلبة ،
__________________
(١) ليست في الأصل والسياق يقتضيها.
(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٤٤.
(٣) الجلادة هي الصلابة والصبر على المكروه. انظر : مختار الصحاح ص (١٠٧) ، والمعجم الوسيط ص (١٢٩).
(٤) سورة الأنفال ، الآية : ٤٣.
(٥) انظر : مجمل اللغة ص (٦٢) ، والمفردات ص (٩٧) ، والقاموس المحيط ص (٣٣٩).
(٦) ذكر هذين الوجهين : الرازي في التفسير الكبير (٧ / ١٦٧) ، وأبو حيان