وبيّن الراغب أنه لا يمكن أن يكون هناك اختلافا أو تعارضا بين العقل الصحيح والنصّ الصريح ، فقال : «فإن قيل : فقد ورد في الشرع أشياء يقتضي العقل خلافها. قيل : كلا ، فإن جميع ما ورد به الشرع لا ينفك من وجهين : إما شيء يحكم به العقل لكونه حسنا مثل استعمال إله .. الجملة وعبادة الربّ ، أو يكون غير مهتد إلى معرفته لا أنه يستقبحه ، فيبين الشرع حسنه ، وذلك كأعداد الصلوات وهيئاتها وأركانها في كونها عبادة على وجه دون وجه.
وأما أن يأتي الشرع بشيء قد قضى العقل بكونه قبيحا فليس ذلك بموجود. وبعض الناس تصوّر أشياء ينفر الطبع منها : العادات جارية أو اعتقادات فاسدة ، ولم يفرّقوا بينه وبين حكم العقل ، فظنوا أن العقل حكم بضدّ الشرع كذبح البهائم» (١).
غير أن الراغب بيّن بعد قليل أن العقل وحده لا يستطيع هداية البشر ، فقال عند قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً)(٢) : «فالذي هدانا إلى البلوغ إلى ثوابه فضلان : فضل العقل ، وفضل الشرع ، وعنى هاهنا بالفضل الشرع دون العقل ، وبيّن أنه لو لا ما أنعم به على الناس من رسوله وكتابه لما اهتدى من خلائقه بالعقل المجرد إلا قليل من الناس» (٣).
وجعل الراغب اتباع العقل موازيا لاتباع الشرع ، فقد ذكر أنه :
__________________
(١) الرسالة ص (١٣٥٠).
(٢) سورة النساء ، الآية : ٨٣.
(٣) الرسالة ص (١٣٥٥).