«وقال الفرّاء : يقال : حسست وحسست ، وحسيت وأحست» ، وهذه الكلمات لم يوردها الفرّاء لمعنى واحد ، كما ذكر الراغب ، وإنما أوردها لعدة معان ، فقد قال : «حسست في معنى الإفناء والقتل. حسست وحسست في معنى العطف والرقة. أحسست وأحست ، وأحسيت وحسيت : الخبر بالخبر علمت» (١).
ونقولات الراغب عن هؤلاء الأئمة تدل على غزارة علمه ، وسعة اطلاعه ، واهتمامه بما كتبه سابقوه في شتى مجالات المعرفة ، ومنها علوم اللغة وفنونها المختلفة.
والراغب لم يكن ناقلا عن هؤلاء فحسب ، بل كان مفسّرا لكلامهم ، ذاكرا علّته ، مناقشا لأقوالهم ، ناقدا لها أحيانا ، فهو ينقل عن هؤلاء الأئمة نقل العالم الخبير والناقد البصير ، وهذا ما سوف نتناوله بالبحث في المبحث التالي.
سادسا : قدرته على النقد اللغوي :
للراغب قدرة فائقة في مجال اللغة على مناقشة أقوال الغير ، والحكم عليها ، والترجيح بينها ، وذكر العلة ، سواء في تصحيح القول أو تضعيفه ، وهو غالبا يوفّق بين الأقوال ، ولا يردّ القول إلا إذا لم يجد ما يشهد له من الأدلة الصحيحة : سمعية كانت ، أم عقلية ، أم لغوية ، ويمكن تلمّس قدرة الراغب على النقد اللغوي من خلال تتبّع الأمثلة التالية :
__________________
(١) معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢١٦ ، ٢١٧). وانظر : اختصار الراغب لكلام الفرّاء في موضع آخر من الرسالة ص (٨٠٥). وتصرّفه في قول الخليل ص (٨٨٢) من الرسالة.