الظفر إن لم تجمعوا على الخور؟! فقال له رجل من الناس : إنك والله رأيت ظفرا ولا خورا ، هلم فأشهد على نفسك ، وأقرر بما كتب في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة بك عن الناس. قال : بلى والله ، إن بي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا وفي الآخرة للآخرة. ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا أحرم دما. فقال عمار بن ربيعة : فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم (١) ، وهو الأشعث بن قيس. ثم قال : ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين ، ودخلت فيما دخل فيه ، وخرجت مما خرج منه ، فإنه لا يدخل إلا في هدى وصواب.
نصر ، عن عمر ، عن أبي جناب ، عن إسماعيل بن سميع (٢) ، عن شقيق بن سلمة (٣) وغيره ، أن الأشعث خرج في الناس بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ، ويعرضه عليهم ويمر به على صفوف أهل الشام وراياتهم فرضوا بذلك ، ثم مر به على صفوف أهل العراق وراياتهم يعرضه عليهم حتى مر برايات عنزة وكان مع علي من عنزة بصفين أربعة آلاف مجفف (٤) ـ فلما مربهم الأشعث فقرأه عليهم قال فتيان منهم : لا حكم إلا لله. ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما [ فقاتلا ] حتى قتلا على باب رواق معاوية ، وهما أول من حكم (٥) واسماهما معدان وجعد ، أخوان. ثم مر بها على مراد فقال صالح بن شقيق وكان من رؤسائهم :
__________________
(١) القصع : الضرب والدلك. والحمم : الرماد والفحم وكل ما احترق من النار ، واحدته حمة. وفي ح ( ١ : ١٩٢ ) : « الحميم ». وما أثبت من الأصل يطابق ما في الطبري.
(٢) ح : « شفيع ».
(٣) ح : « سفيان بن سلمة ».
(٤) المجفف : لابس التجفاف ، وأصله ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراحة.
(٥) في اللسان : « والخوارج يسمون المحكمة ، لإنكارهم أمر الحكمين وقولهم لا حكم إلا لله ».