قال : وقد كان حريث بن جابر نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء ، وكان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن والسويق والماء ، [ ويطعمهم اللحم والثريد ] ، فمن شاء أكل أو شرب (١). وفي ذلك يقول الشاعر :
لو كان بالدهنا حريث بن جابر |
|
لأصبح بحرا بالمفازة جاريا (٢) |
نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال : سمعت الشعبي يذكر [ أن (٣) ] صعصعة قال : عبأ لمذحج ولبكر بن وائل ذو الكلاع وعبيد الله ، فأصابوا ذا الكلاع وعبيد الله ، فاقتتلوا قتالا شديدا. قال : وشدت عك ولخم وجذام والأشعرون من أهل الشام ، على مذحج وبكر بن وائل. فقال العكي في ذلك :
ويل لام مذحج من عك |
|
لنتركن أمهم تبكي |
نقتلهم بالطعن ثم الصك |
|
فلا رجال كرجال عك |
لكل قرن باسل مصك
قال : ونادى منادي مذحج : يال مذحج ، خدموا (٤). فاعترضت مذحج لسوق القوم فكان بوار عامة القوم. وذلك أن مذحج حميت من قول العكي. وقال العكي حين طحنت رحى القوم ، وخاضت الخيل والرجال في الدماء. قال : فنادى : « يال مذحج : الله الله : في عك وجذام ،
__________________
(١) ح ( ١ : ٥٠٠ ) : « فمن شاء أكل ومن شاء شرب ».
(٢) قال ابن أبي الحديد : « قلت : هذا حريث الذي كتب معاوية إلى زياد في أمره بعد عام الجماعة ـ وحريث عامل لزياد على همدان ـ : أما بعد فاعزل حريث بن جابر عن عمله فما ذكرت مواقفه بصفين إلا كانت حزازة في صدري. وكتب إليه زياد : خفض عليك يا أمير المؤمنين ، فإن حريثا قد بلغ من الشرف مبلغا لا تزيده الولاية ولا ينقصه العزل ».
(٣) ليست في الأصل.
(٤) انظر ما سبق ص ٢٥٧.