فقال له رجل من قومه : انصرف [ يرحمك الله ] بهذه الراية ترحها الله (١) من راية ، فقد قتل أشراف قومك حولها ، فلا تقتل نفسك ولا من بقي ممن معك. فانصرفوا وهم يقولون : ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا ثم نستقدم نحن وهم ، فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر (٢). فمروا بالأشتر وهم يقولون هذا القول ، فقال لهم الأشتر : إلى ، أنا أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظهر أو نهلك (٣) فوقفوا معه [ على هذه النية والعزيمة ]. ففي هذا القول قال كعب ابن جعيل (٤) :
* وهمدان زرق تبتغي من تحالف (٥) *
وزحف الأشتر نحو الميمنة ، وثاب إليه أناس تراجعوا من أهل البصيرة والحياء والوفاء (٦) ، فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها ، ولا لجمع إلا حازه ورده (٧). فإنه لكذلك إذ مر بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر فقال : من هذا؟ قيل : « زياد بن النضر ، استلحم [ عبد الله بن بديل (٨) ] وهو وأصحابه في الميمنة ، فتقدم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع ». ثم لم
__________________
(١) ترحها الله ، دعاء عليها بالترح ، وهو الحزن والهم. وفي اللسان : « ترحه الأمر تتريحا : أي أحزنه ». وهذه الكلمة ليست في الطبري وفي ح : « نزحها الله » تحريف.
(٢) الظهور : الظفر ، ظهر عليه ظهورا وأظهره الله عليه ح : « حتى نظفر أو نقتل » الطبري : « حتى تقتل أو نظفر ».
(٣) ح والطبري : « حتى نظفر أو نهلك ».
(٤) في الأصل : « في هذا القول فقال كعب بن جعيل » وأثبت ما في الطبري. وفي ح : « فهذا معنى قول كعب بن جعيل ».
(٥) المراد بالزرق زرق العيون ، والعرب يتهاجون بذلك ، ويعدونه من اللؤم. انظر الحيوان ( ٣ : ١٧٥ و ٥ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ).
(٦) ح : « أهل الصبر والوفاء والحياء ».
(٧) في الأصل وح : « جازه » صوابه بالحاء كما في الطبري. انظر ما سبق ص ٢٣٤.
(٨) استلحم ، بالبناء للمفعول : احتوشه العدو في القتال. وهذه التكملة من الطبري ( ٦ : ١٢ ). والكلام في ح محرف مبتور.