وهذا ممسك يده ، قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ، وقائما ينظر إليه. من يفعل هذا يمقته الله. فلا تعرضوا لمقت الله ؛ فإنما مردكم إلى الله. قال الله لقوم : ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ). وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة. استعينوا بالصدق والصبر ؛ فإنه بعد الصبر ينزل النصر.
نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن مالك بن قدامة الأرحبي (١) قال : قام سعيد بن قيس يخطب أصحابه بقناصرين (٢) فقال : « الحمد لله الذي هدانا لدينه ، وأورثنا كتابه ، وامتن علينا بنبيه صلى الله عليه فجعله رحمة للعالمين ، وسيدا للمسلمين ، وقائدا للمؤمنين ، وخاتم النبيين ، وحجة الله العظيم على الماضين والغابرين. وصلوات الله عليه ورحمة الله وبركاته. ثم كان مما قضى الله وقدره ـ والحمد لله على ما أحببنا وكرهنا ـ أن ضمنا وعدونا بقناصرين ، فلا يحمد بنا اليوم الحياص (٣). وليس هذا بأوان انصراف ، ولات حين مناص. وقد اختصنا الله منه بنعمة فلا نستطيع أداء شكرها ، ولا نقدر قدرها : أن أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا ، وفي حيزنا. فوالله الذي هو بالعباد بصير أن لو كان قائدنا حبشيا مجدعا (٥) إلا أن معنا من البدريين (٤) سبعين رجلا ، لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا
__________________
(١) ح : « الأزدي ».
(٢) في القاموس : « قناصرين بالضم : موضع بالشام ».
(٣) الحياص : العدول والهرب. ح ( ١ : ٤٨٣ ) : « فلا يجمل بنا ».
(٤) ح : « رجلا مخدوعا » محرف. وهو إشارة إلى حديث أبي ذر ، قال : « إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف ». انظر صحيح مسلم ( ٢ : ٨٥ ).
(٥) البدريون : الذي حضروا وقعة بدر. وفي الأصل : « البدوبين » ، صوابه في ح.