أي : أنزلنا
القرآن عليكم لئلا تقولوا : أنزلنا الكتاب على موسى ولم ينزل علينا ولا قرأه علينا
أحد من الطائفة المنزل عليهم بحيث نسمعه ، والكتاب هنا واحد بالنوع فيتناول هنا
اليهود والنصارى.
قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ).
القرآن بينة
لكونه بإعجازه شاهدا على صدق الرسول فالرسول مدع له على دعواه ، بينة وهدى ؛ لأنه
مرشد إلى الطريق الحق ، ورحمة إشارة إلى أن بعثه الرسل وإنزال الكتاب محض تفضل من
الله تعالى أن لا يجب عليه شيء.
قيل لابن عرفة
: أو يريد البينة دليل التوحيد ، وبالهدى الأحكام ، وبالرحمة المواعظ والمذكرات
على الثلاثة.
قوله تعالى : (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ
آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ).
قال ابن عرفة :
تقدمنا فيها سؤال أن التكذيب بالآية أعم من الصدف عنها ؛ لأن المكذب بالآية قد
يصدف وقد لا يصدف ، والمصدف هنا مكذب بها لا محالة ، وترتيب الجزاء على الأعم
يستلزم ترتيبه على الأخص من باب أحرا ، فهلا قيل :
سنجزي الذين [٣٣
/ ١٦٠] يكذبون بآياتنا سوء العذاب؟ ، قال : وعادتهم يجيبون بأن الصدق أعم وبيانه
بامتثال إذا سألت عن القراءة على زيد ، فتقول : إنه لا يدري شيئا بوجه ، فهذا
التكذيب يستلزم الصدق بلا شك ، وتارة تقول للسائل بالإجابة لك بالقراءة عليه :
اترك ذلك واشتغل بما هو أهم عليك فأنت صدقته ولم تكذب بعلمه ، ويحتمل أن يكون
معتقدا علمه وكرهت قراءته عليه ، ويحتمل أن يكون معتقدا أنه جاهل فظهر أن الصدق
أعم من التكذيب.
قيل لابن عرفة
: بأن ذلك لو رتب على الأخص مطلق الجزاء فلا يرد السؤال إلا لو قيل : (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ
آياتِنا)
، وهنا إنما رتب
على الأخص من العذاب ، فقال : بل الأخص هو أخذ سوء العذاب لا العذاب.
قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا
يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها).
قرئ لا تنفع.
قال ابن عطية :
وأنث الفعل ؛ لأن فاعله مضاف إلى ضمير النفس وهي مؤنثة ، ورده أبو حيان بأن ذلك
إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه ، كقولهم : ذهبت بعض أصابعه ، قال : وإنما
وجهه عندي أنه على تقدير لا تنفع نفسا ثبوت إيمانها