فمن فتح الهمزة وشدد النون فمعناه : ولأن هذا صراطي مستقيما ؛ أي اتبعوه لكونه مستقيما ، هذا عطف جملة على جملة.
قال بعضهم : ويحتمل أن يكون هناك مقدر ؛ أي : لأن هذا صراطي مستقيما يتبع فاتبعوه ، فلو أن الفاء عاطفة ما بعدها على فعل مقدر وهو أولى من الأول ؛ لأنه علة لما بعده فلا يتقدم على الفاء ، ابن عطية : وصف الله تعالى طريقا واحدة هو صراطا مستقيما طريق محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وشرعه ونهايته الجنة ، وتتشعب منه طرق في سلك المارة فحال من خرج إلى تلك الطرق ابعث به إلى النار.
ابن عرفة : هذا كما تقدم في أول السورة ، في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) فقيل له : كيف تعمل في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [سورة العنكبوت : ٦٩] طريق الحق متعددة ، فقال : نعم ولكنها مآلها إلى شي واحد وهو التوحيد بالله والتصديق بأنبيائه ، وطرق الباطل كل واحد منها مستقل بنفسه لا يؤول إلى شيء واحد ؛ لأن قوما يعبدون النجوم ، وآخرون يعبدون الأصنام ، وآخرون يعبدون الربوبية.
قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ).
دليل على أن المعاد مستفاد من السمع ؛ لأن الإيمان هو التصديق ، والتصديق على أنه مصدق به وهو الدليل السمعي الخبري لا العقلي.
قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ).
قال ابن عرفة : لما تضمن الكلام السابق تفضيل بني إسرائيل بإرسال موسى إليهم ، وتفضيل موسى بالكتاب المنزل عليه ؛ عقبه ببيان تفضيل هذه الأمة بإرسال محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم وأنزل القرآن عليه ، وظاهر كلام المفسرين أن الإشارة إلى جميع القرآن وليست الآية من آخر ما أنزل ، فيكون كقول سيبويه : هذا باب كذا فهو إشارة إلى المستقبل المقدر الوجود ، كقول الموثقين : هذا ما أصدق فلان.
قوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا).
يحتمل أن يرجع اتبعوه إلى امتثال أوامره ، (وَاتَّقُوا) إلى اجتناب مناهيه ، ويحتمل أن يكون الأمر بالاتباع عاما في امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، واتقوا راجعة إلى التحرز من عقاب الله عند عدم امتثال أمره ونهيه.
قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا).