أي لا أظلم ممن كذب على الله كذبا لا شبهة له فيه ؛ فهذا هو الافتراء وله نظائر في القرآن ، وتقدم لنا في الجمع مثلها أن ينتج مساواتها في الظلم إلا ما قام الدليل فيه على عدم المساواة.
قوله تعالى : (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
كان بعض الشيوخ يقول : إنه لا يتناول من يقضي بغير علم ومن يدرس بغير علم ؛ لأنه يقتدى به في ذلك ويعمل عليه فينتج مفسدة عظيمة ، قال : وأما العلم الديني فكان ابن عبد السّلام يقول : هو جائز عقلا لكنه لم يقع بوجه ، فما رأينا ولا سمعنا وليا صالحا لم يحضر ميعادا قط ، ولا قرأ على شيخ صار فقيها بوجه ، وإنما يخلق الله له العلم مسألة مخصوصة معينة فيتكلم فيها بالصواب إما أنه يعلم مسائل المدونة كلها من أولها إلى آخرها [٣٢ / ١٥٨] ، ومسائل البخاري كلها ، فهذا أمر جائز عقلا محال عادة لم يقع بوجه.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
إن كانت الألف واللام للعهد يبقى الذي علم دوام ظلمهم فهو عام ، وإن كانت للجنس فهو مخصوص.
قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ).
قال ابن عرفة : هذا أمر قاض به بخلاف سائر الأمور ، مثل (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [سورة الناس : ١] ، (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [سورة الإخلاص : ١] فإنه أمر له ولسائر أمته بالتبعية له ، وتقدم الكلام هو مأمور بتتابع الآية بكمالها ، أو مأمور بقوله (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً). إلى آخر الآية ، وتقدم أن لا لنفي المستقبل بالذات وقد ينفي الحال ، وهي هنا لنفي الحال ؛ لأن الوحي إليه ماض ولا يصح أن يريد ما أوحي إليه به في المستقبل ؛ لأنه قد أوحي إليه بعد بتحريم أمر آخر ليست في هذه الآية ، قالوا : وأخذوا من الآيتين مطلبين :
أحدهما : أن الأشياء على الإباحة بدليل استثناء ما استثنى منها ، والقاعدة أنه إنما يخرج القليل من الكثير ولا يخرج الكثير من القليل ، وأجيب بأنه قيل بأنها للحصر ، وذكرت المحرمات فكونه استثنى منها حالة الاضطرار.
الأمر الثاني : الآية دالة على أن أحكامه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم كلها مسندة إلى الوحي لا إلى الاجتهاد بوجه ، وأجيب بأن الاجتهاد مستند أصله إلى الوحي.