المعشر هم الجماعة ، وتصدير الآية بها توطئة لما رتب عليها وبه يترجم تأويلها ، بأن المراد بقوله (رُسُلٌ مِنْكُمْ) أنهم من الإنس فقط ، كقوله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [سورة الرحمن : ٢٢] وهو إنما يخرج من البحر المالح.
قوله تعالى : (قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا).
ابن عطية : هذا إقرار منهم بالكفر.
ابن عرفة : باعتبار شهادة كل واحد على نفسه ، ويحتمل أن يكون شهادة حقيقية باعتبار شهادة كل واحد على غيره.
قوله تعالى : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ).
ابن عطية : حملته على معنيين :
أحدهما : أن الله تعالى لم يكن ليظلم القرى [٣٢ / ١٥٧]. فيهلكهم دون أن يبعث إليهم رسولا يبين لهم الشرائع والأحكام وينذرهم والباء على هذا للسبب ، ابن عطية : وهذا هو البين القوي.
ابن عرفة : هذا المعنى لا يهلك القرى بظلم منه لهم أو بظلم من بعضهم لبعض ، ابن عرفة : والتأويل الأول لا بشيء إلا على قواعد المعتزلة القائلين بوجوب بعثة الرسل عقلا ، ونحن نقول : إنما يجب شرعا وهي محض تفضل من الله تعالى عزوجل ، وفي الجائز أن يعذب الطائع وينعم العاصي وليس ذلك ظلم بوجه ؛ لأن الكل ملكه وهم يقولون : ذلك قبيح ويستحيل عليه فعله ، ونحن نقول : الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه ، وحتى ابن عطية كان يبين هذا.
قوله تعالى : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ).
قال ابن عرفة : ذكر ابن العربي هنا في الأحكام والقرافي وغيرهما أن هذه الآية احتج بها من أنكر الاستحسان ، ووجه الدليل ما قاله أشهب في كتاب الخيار فيما إذا ورث قوم خيارا فاختلفوا فالقياس أن لهم ألا يأخذوا جميعا أو يردوا جميعا ، والاستحسان إن لمن أراد منهم أن يأخذ نصيب الراد إن شاء يفرق بينه وبين القياس وما الفرق بينهما إلا أن القياس مستند إلى حكم شرعي معبر عنه مصرح به ، والاستحسان مستند إلى شيء قليل.