قال ابن عرفة : حتى أبلغ في الغاية من إلى ، قال : وهذا تهكم وإخبار بأن إيمانهم به محال ؛ لأنهم إذا أوتوا مثل ما أوتي رسل الله فلم يؤمنوا بالرسل وإنما آمنوا بما أوتوا إلا بما جاء به الرسول ؛ فكأنهم يقولون : لن نؤمن أبدا.
قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ).
قال ابن عرفة : المراد الغاية الأخصية لا الأعمية المذكورة أي (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [سورة الإنسان : ٣] والإسلام هنا بمعنى الإيمان إذا لو لم يكن بمعناه للزم عليه وجود الإيمان دون هداية ، واللازم باطل فالملزوم مثله بيان [٣٢ / ١٥٦] والملازمة ؛ إذ الآية دلت على أن كل وجدت أراده الهداية وجد الإسلام ، والإسلام راجع إلى الأعمال الصالحة ، والإيمان راجع إلى الاعتقاد القلبي وهو مجرد التصديق فلو لم يكن هناك شيء لكانت الهداية مستلزمه لوجود الإسلام الذي هو من فعل الجوارح فيكون الإيمان وجد قبلها دون هداية.
قال : والجواب أن الهداية مستلزمة لشرح الصدر للإسلام كأنها مستلزمة للإسلام يكون محصول الإيمان قبل الإسلام.
قوله تعالى : (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً).
قال ابن عرفة : كان بعض الشيوخ يقول : إن الضيق راجع إلى أمر محسوس وهو أن المظروف فيه أكثر من الظرف حسا ، والحرج راجع إلى أمر معنوي وهو نفي القابلية عن اتساع الظرف للمظروف إما بعدم خلق الهداية في القلب ؛ وإما بخلق الضد فيه فلا يقبل الهداية ، قال : وكان مثل الضيق الحسي بيت صغير أردت أن تدخل فيه جملا فلم يسعه ، وكذلك دخول الجمل في سم الخياط فإنه يضيق عنه ، ومثل الحرج المعنوي ببيت كبير يسع الجمل حسا [...] وعدم هدايته لا يسمع بمعنى أنه لا يستطيع يقاوم فيه ؛ فكذلك قلب من أضله الله.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
عبر هنا بالإيمان وهو أعم ، وقال قبله (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) فأتى هذا كله على الأصل مثل استعمال الأخص وهو الأعم في الثبوت والأعم في النفي ، (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [سورة البقرة : ١٧].
قوله تعالى : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً).
الإشارة إلى مطلق حكم الله الأعم في إضلال من أضل الله وهداية من اهتدى.