مجهول من جهة اتصافه بهذه الأمور ، وهذا ينتهي عليه لكن يرد على هذا أنه لما أخبر عنه بهذه الأشياء صار معلوما من الجهتين ، فلم تكن للجملة الثانية فائدة ؛ فأجيب بأنها أفادت الحصر وهذا معلوم لمن قرأ علم المنطق ؛ لأن القضايا على قسمين فمنها قضية تنعكس كنفسها وأخرى تنعكس [...] فتقول كل حيوان متحرك بالإرادة وكل متحرك بالإرادة حيوان ، وتقول : كل إنسان حيوان ، وأن المتسبب بذلك هو الله تعالى لا غير.
قوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً).
لما كان الحسبان يقع بهما والشمس راجعة للحسبان ، الشمس والقمر للحساب القمري برؤية الأهلة.
قوله تعالى : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
قال ابن عرفة : إن قلت : هل قيل : ذلك خلق العزيز العليم كما قال (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [سورة لقمان : ١١] فالجواب أن التقدير بمعنى الإرادة ، والإرادة فائدتها التخصيص ، فلو قيل : ذلك خلق العزيز العليم لما أفاد تخصيصهم صفة دون صفة ، وقيدت من بعض كلام أصحابنا في هذه الآية ما نصه :
قال الزمخشري : يصح عطف الشمس على موضع والليل ؛ لأن موضعه نصب ، فإن قلت : كيف صح عطفه عليه واسم الفاعل للمضي فلا يعمل ، فأجاب بأنه إذا عمل لكونه دالا على معنى في الأزمنة المختلفة.
قال أبو الحسن الطيبي : يعني أن في إضافته اعتبارين :
أحدهما : أنها محضة باعتبار معنى المضي فيه وبهذا الاعتبار يقع صفة للمعرفة.
وثانيها : أنها غير محضة باعتبار معنى الاستقبال فهذا الاعتبار يعمل فيما أضيف إليه ، ونظيره قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [سورة الإسراء : ١١٠] كان (أَيًّا). من حيث تضمنها معنى الشرط عاملة في تدعوا ومن جهة كون إنما متعلقا بتدعوا معمولا له.
قال ابن القصار : وهذا في غاية الإشكال ؛ لأن اعتبارين متضادين في حيز واحد في محل [٣١ / ١٥٣] واحد غير مفعول وإضافة الشيء الواحد في خبر واحد لا تكون متصلة ؛ لأنها باعتبار المضي حقيقة وباعتبار الاستقبال غير حقيقة فكيف يلاحظ فيها اعتباران متضادان بخطاب (أَيًّا ما تَدْعُوا). لأن المحل مختلف والعمل كذلك فأحد المحلين العاملين أي وعلة الجزم ، والآخر تدعوا ومحله النصب وهنا المحل واحد وهو الإضافة ، انتهى.