على إبراهيم وكان جاهلا بهم ففزع منهم حسبما قال (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، فقالوا (سَلاماً) بلفظ المصدر المؤكد بفعل [٣٠ / ١٤٩] مقرر منسوب إليهم ، أي قالوا : سلمنا سلاما فنطقوا بالسلام ونسبوا الفعل إلى أنفسهم مؤكدا بالمصدر لتحصل له الطمأنينة منهم ، فلذلك أكده بالمصدر المقتضي لإزالة الشك عن الحديث من حيث نسبته للمحدث عنه ليزول عنه فزعه ويعتقد سلامته منهم ، بخلاف ما لو قال : سلام لاحتمال أن يكون منسوبا لهم أولا فالنصب أبلغ.
قوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
قال إمام الحرمين في باب الصفات الصحيح جواز إطلاق النفس على الله تعالى واحتج بهذه الآية ، والواجب قسمان : واجب لذاته ، وواجب لعارض كالمعاد فإنه لذاته جائز وبإخبار الشرع واجب ، وكذلك الرحمة واجبة بإيجاب الله تعالى لها.
قوله تعالى : (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ).
ابن عرفة : التوبة بذاتها كافية في حصول المغفرة ، فما أفاد قوله (وَأَصْلَحَ؟) ، قال : وتقدم لنا الجواب بأن هذه توبة لغوية ، ومجموع قوله (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ) توبة إصلاحية ، قيل له : ألفاظ الشرع إنما تحمل على حقائقها الشرعية ، فقال : ليس بمعنى الاصطلاح اصطلاح الشارع ، وإنما يعني اصطلاح جملة الشريعة.
قوله تعالى : (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
إما تفسير الكتاب نفسه ، أو تفسير لبعض جزئياته.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ).
قال ابن عرفة : عادتهم يقولون : ما الفرق بين قولك : علي كالأسد ، وقولك : كالأسد علي ، وضربت زيدا في الدار ، وفي الدار ضربت زيدا؟ ، الفرق بينهما إنما هو الاهتمام بالشيء والاعتناء به ، فإن كان المقصود الأهم الاعتبار بالتشبيه العارض للذات ، والذات معلومة للمخاطب لكن مخاطب به قريب المخبر عنه أو صديقه قدم المجرور ، فيقال : كالأسد علي ، وإن كان المقصود الأمران وهو التعريف بالذات بوصفها العارض وهو الشبه قدم المبتدأ ، فيقال : علي كالأسد ، وكذلك قولك : ضربت زيدا في الدار كان الأهم الإخبار بالضرب فقدم ، وإن كان المقصود الإخبار بمحله ، قلت : في الدار ضربت زيدا ، والخطاب هنا للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، والآية هي الآية البينة الواضحة معلومة.
قوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).