قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ).
ابن عرفة : مذهب أبي حنيفة أن الحر يقتل بالعبد ، ويقتل العبد بالحر عملا بظاهر عموم هذه الآية ، ومذهب مالك أن العبد يقتل بالحر ولا يقتل الحر بالعبد ، لقوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) [سورة البقرة : ١٧٨] لكن يرد علينا بأن ظاهر الآية أن الأنثى لا تقتل بالذكر ولا العكس فيجيب بالحديث ، فإن قلت :لم خصت هذه الأمور دون اليد وغيرها من الأعضاء؟ ، قلنا : لشرفها بالنسبة إلى ربها ، فإن قلت : لم أفردت هذه الألفاظ وجمعت الجروح؟ ، قلنا : ظنا لإمكان تعددها في الشخص الواحد بخلاف تلك.
قوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ).
قرئ بضم النون فأعربه الزمخشري عطفا على الضمير المرفوع في (بِالنَّفْسِ) أي مأخوذة في النفس هي والعين يكون بالعين حالا ، ورده أبو حيان بأنه ضمير رفع متصل فلا يعطفه عليه إلا بعد تأكده ، والفضل مثل : لو شاء الله ما أشركوا ولا آباؤنا ، وقال الفارسي ، وغيره : لا وصل فيه ولم يعتبر لا ، وأجاب أبو حيان : والمختصر بأنها معتبرة ، قلت : وزاد الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد ابن القصار في التعقب أنه بعيد من جهة المعنى ؛ لأنه يكون المعنى أن النفس مأخوذة هي والعين بالنفس فتكون العين مأخوذة بالنفس حالة كونها قصاصا في العين ، ومنهم من يجعلها عطفا على التوهم ، وهو أنه يتوهم حذف أن والنفس لمرفوع ، ورده أبو حيان بأن العطف على التوهم مخصوص بالشعر ، وأجاب الأستاذ أبو العباس ابن القصار ، أنهم قالوا في قوله تعالى : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة المنافقون : ١٠] بجزم أكن عطفا على أصدق متوهما حذف الفاء وأنه مجزوم في جواب الغرض المضمر معها الشرط ، قال ابن القصار : والصواب عندي غير هذا كله ، وهو أن يكون (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) منصوب على المفعول ، (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) معطوف عليه على سبيل الحكاية ، ولم يحك الأول ؛ لأنه مفرد في المعنى تقديره : كتبنا عليهم كون النفس بالنفس ، والثاني جملة والحكاية كما تقول : قرأت براءة وقرأت الحمد لله رب العالمين ، انتهى.
ولما ذكر أبو حيان قراءة (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) بالرفع إذا اختلف فيه ، فقيل : من عطف الجمل فهو على موضع أن ورده [٢٨ / ١٣٨] بعدم المجرور ، وأجاب ابن عرفة : بأن عطف الجمل لا يقال فيه على الموضع ؛ لأن ذلك جائز بقول : خرج عمرو وزيد قائم ، قال : وقيل معطوف على الضمير المرفوع في (بِالنَّفْسِ) ، ورده بأنه ضمير متصل فالعطف عليه من غير تأكيد ولا طول لا يجوز ، بخلاف قوله تعالى :