وأجاب ابن عرفة بأن التأكيد شائع في كلام العرب وليس فيه تحصيل ، فإن قلت : يلزم عليه أن تكون الفاتحة من القرآن مرتين لنزولها مرتين ، فكان تكريرا كما تكرر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٣].
قلنا : إنما ذلك إذا أنزلت على أنها غير الأولى ، فقد ذكر الأصوليون : أن الغيرين يصدقان على المثلين ، أما إذا أنزلت على أنها هي الأولى بعينها فلا يلزم ذلك فيها.
زاد القاضي العماد في إبطال النزول بمكة والمدينة : أنه يلزم منه أن يكون كل ما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى ؛ لأن جبريل ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كان يعرضه القرآن في كل سنة مرة وفي السنة الأخيرة مرتين ، فيكون ذلك إنزالا (١) آخر.
وهذا لا يقوله أحد وإنهم يعنون بنزولها مرتين : أن جبريل نزل حين حولت القبلة ، فأخبره صلىاللهعليهوسلم أن الفاتحة ركن في الصلاة كما كانت بمكة ، أو أقرأه فيها قراءة لم يقرئها بمكة.
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
قال الزمخشري : الحمد والمدح أخوان ، فقيل معناه : أنهما مترادفان ، وقيل : متغايران ، فالحمد يطلق على الله تعالى ، والمدح لا نطلقه عليه.
وأما الشكر فحكى فيه أبو حيان ثلاثة ، قال : فالحمد يطلق على الله تعالى. الطبري (٢) : هو الحمد ، وقيل غيره ، وقيل : الحمد أعم منه ، فالحمد يطلق على الصفات الجميلة ، والشكر على الأفعال الجزيلة.
وظاهر كلام الزمخشري في قوله أوقع أن بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه ، فالحمد يكون باللسان على الصفات الجميلة والأفعال الجزيلة ، والشكر يكون بالقول والفعل ، فالقلب على الأفعال خاصة ، واحتجوا له بقول الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة |
|
يدي ولساني والضمير المحجبا |
ابن عرفة : وعادتهم يتعقبونه بأنه لم يسمه شكرا وأنه سماه نعماء ، وعلى تقدير أن لو سماه فلا دليل فيه ؛ لأن العربي إنما يحتج بقوله فيما يرجع إلى نظم الكلام وأحكامه
__________________
(١) في الأصل : " إنزال" ، والصواب ما أثبتناه.
(٢) المراد : قال الطبري ، وقد أشرنا فيما سبق أن ابن عرفة يختصر في الكلام ، فلينتبه.