اللفظ ينفيه فليس كذلك ، وإن أراد أن ظاهر اللفظ لا يقتضيه ولا يدل عليه ، فكذلك المعاني الدقيقة التي لا تفهم بأول وهلة ، قيل له : إنما لا يريد كلها ، أبو حيان : والأولى أنه مصدر من معنى كتب ؛ لأن معناه وجب وحق ، مثل قعدت جلوسا.
ابن عرفة : الذي فر منه وقع فيه لأنه ألزم غيره امتناع عمل به المصدر المذكر لغيره ، وكذلك يلزمه هو.
قيل لابن عرفة : هل يؤخذ من الآية عدم وجوب الوصية ، كما قالوا : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة : ٢٤١] ، ويقال له : إن كنت محسنا أو متقيا فتمتع ، فقال : إنما يتم لك هذا لو وقع الاتفاق على عدم وجوب المتعة.
قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ).
ابن عرفة : إن أريد به الموصي المعنى فمن لم يمتثله ؛ لأن تبديل حكم الله تعالى غير معقول ، وإن أريد به الوارث والأجنبي فالتبديل به حقيقة باق على ظاهره.
قوله تعالى : (فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ).
ابن عرفة : كان بعضهم يقول : فائدة الحصر أن المؤمن إذا أوصى للفقراء بوصية ثم منعهم منها سلطان أو ظالم فالأجر ثابت للموصي والإثم خاص بالظالم ، قال : ولذلك أخذ بعضهم أن الموصي إذا اعترف بدين عليه وحبسه الوارث عن ربه فقد يرى الوصي من عهدته وإثمه على المانع ، ففي الآية ثلاثة أسئلة :
الأول : لمن خص الحصر بإنما ، ولم يقل : فإثمه على الذين يبدلونه مع أنه أصرح ، فالجواب أنهم قالوا : أن إنما تقتضي بثبوت ما بعدها بخلاف إلا فتقتضي وجوب الإثم بثبوته.
الثاني : لم قال : يبدلونه بلفظ المضارع ، ومن بدله بلفظ الماضي ، ويجاب عنه بما أجاب الزمخشري في قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [سورة النساء : ٩٢] ، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) [سورة النساء : ٩٣] وهو أنه لما كان القتل عمدا ممنوعا شرعا عبر عنه بلفظ المستقبل إشعارا بكراهيته ، والحصر عنه حتى كأنه غير واقع ، وكذلك لا يقال هنا ، قلت : لأنه لما ذكر لفظ الإثم في الثاني مقرونا بأداة الحصر أتى بأداة الفعل مستقبلا بزيادة في التبصر عن موجب الإثم.