إن قلنا : إن المباح مأمور به فخيرا فعل ، لأن المراد بذلك كل ما فيه خير يفضل على غيره فله فيه الأجر ، وإن قلنا : أن المباح غير مأمور به ، فافعل لا فعل من ، قيل لابن عرفة : وكذلك مباح إذا كان مأمورا به فهو خير ، فقال : وكذلك الحرام فيه خير حتما باعتبار الدنيا ، وإنما المراد بالخير الأخروي ، وهو الثواب والمباح لا ثواب فيه.
قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ).
قال ابن عطية : حكاية هذه المقالة ، إما على سبيل الإبطال ، لها أو على سبيل التقرير لها والموافقة عليها ، إذ لو حكيت على سبيل أنها حق لم يصح ترتيب الذم عليها ، مع أن سياق الآية يقتضي ذمهم على ذلك ، قال : وأجيب بأن اليهودية والنصرانية لهما اعتباران فهما من حيث أصلهما الذي نشأ عنه وهو موسى وعيسى حق ، فليست النصارى على شيء إبطالا لأصل ملة النصرانية ، وليس هو إبطالا لدعوى المنتمين إليه ، فحكيت هذه المقالة على معنى الإبطال لها ، وذم قائلها أي قولهم ذلك وإبطالهم له باطل ، بل هم على شيء باعتبار أصل الملة لا باعتبار الدعوى ، وهذا حق ، وهو على حذف الصفة ، أي ليسوا على شيء ديني ، وقال الزمخشري : هذه مبالغة عظيمة ، لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء.
قال ابن عرفة : الزمخشري ضعيف في أصول الدين ، وقد تقدم الإجماع على أن المحال باعتبار المعنى في الإطلاق اللفظي والتسمية هل يطلق عليه لفظ شيء أم لا ، فمنعه أهل السنة وأجازه المعتزلة ، وهما مسألتان فهذه لا ينبني عليها كفر ولا إيمان ، والأخرى مذهبهم إجراء المعلوم تقرر في الأزلي ويلزمهم بها الكفر.
قيل لابن عرفة : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) ، ولم يقل : وهم يعلمون الكتاب ، فقال : التلاوة هنا تستلزم العلم.
ابن عرفة : فإن قلت : لم قال (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ولم يجمع المقالتين معا هناك ، ولم يقل : وقالوا ليست النصارى واليهود على شيء ، قال : عادتهم يجيبون : بأن المقالتين هناك محصورتان لا ثالث لهما فيعلم بالضرورة ، أن النصارى قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ، واليهود قالوا : لن يدخلها إلا اليهود وأما هنا ، فلو قيل : (وَقالُوا) ليست اليهود والنصارى على شيء لأوهم أن المسلمين هم الذين قالوا ذلك ، والكتب جنس تجمع التوراة والإنجيل.
قوله تعالى : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ).