قوله تعالى : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ).
عبر بالمضارع ، وقال قبله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) فعبر بالماضي فما السر في ذلك ، فأجاب ابن عرفة : بأن الشراء لا يتكرر لأنه إذا قطع البائع الثمن لم يعد إليه بوجه ، فلا يقال : أنه يبيع سلعته مرة أخرى أو يشتري العوض مرة أخرى ، فالإيمان الذي باعوه لا يرجع إليهم بوجه بخلاف أمر الإيمان لهم فإنه يتجدد بحسب متعلقه شيئا فشيئا.
قال ابن عرفة : وقبح أفعالهم إما أنه من جهة كذبهم في مقالتهم ، إذ (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) وليسوا بمؤمنين ، وإما من جهة إيمانهم مع أن القبح والإيمان لا ينشأ عنه إلا الحسن ، قيل لابن عرفة : المراد بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الإيمان الحقيقي الشرعي ، والإيمان الشرعي لا يأتي إلا بالخير ، فكيف قال لهم : (بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) فقال : المراد إن كتم الإيمان خالصا لكم فبئس ما يأمركم به إيمانكم المدعي قيل له : لم يأمركم الإيمان المدعي بذلك ، وإنما هو إيمان ناقص زاحمه غيره من وسواس النفس فالمزاحم هو الأمر لا الإيمان ، فقال : بل الأمر المدعي أنه إيمان.
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ).
هذا إما أمر خاص بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، لأن يقول لهم أوامر لكل واحد من المؤمنين لمسلمين أن يقول لهم لكنه بالنبي صلىاللهعليهوسلم بالذات والعموم للمؤمنين ، وهذا قياس شرطي استثنائي ، في قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [سورة الأنفال : ٢٣] قياس شرطي اقتراني ، وفي القرآن أيضا القياس الكلي ، وقال الزمخشري : سبب نزول الآية أن قوما من اليهود والنصارى ، قالوا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [سورة البقرة : ١١١] وقرره ابن عطية : بأن اليهود قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [سورة المائدة : ١٨] ، فقال لهم الله تعالى : إن كنتم صادقين فتمنوا الموت فهو أحسن لكم ، قال : وقيل إن الله منعهم من التمني ، وعلى هذا فالقول بالصدقة.
ابن عرفة : ولا يبعد أن يراد الأمر أن في كلام ابن عطية ، ويكون على الأول خطابه لمن كفر عنادا فلا يتمنى الموت لعله يكذبه هي مقالته ، والصدقة لمن كفره ليس عنادا يريد أن يتمنى الموت فيصرفه الله تعالى من ذلك التمني تعجيزا له ، فإن قلت : هلا ترك ذكر خالصته فهو أخص وأبلغ لسؤاله بعجز من زعم منهم أن الدار الآخرة له