وفريق آخر لم
يجدوا بأسا ولا حرجا من تفسير القرآن باجتهادهم ، معتمدين على درايتهم باللغة وأساليبها
، وما يتصل بذلك من العلم بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ.
قال الماوردي : «قد
حمل بعض المتورعين هذا الحديث على ظاهره ، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن
باجتهاده ، ولو صحبها الشواهد ولم يعارض قواعدها نص صريح ، وهذا عدول عما تعبدنا
بمعرفته من النظر فى القرآن واستنباط الأحكام ، كما قال تعالى : (لَعَلِمَهُ
الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ولو صح ما ذهب اليه لم يعلم شيء من استنباط ، ولما فهم
الأكثر من كتاب الله ، وان صح الحديث فتأويله : «ان من تكلم فى القرآن بمجرد رأيه
فقد أخطأ» .
وقد كان أكثر من
قام بالتفسير العقلي علماء العراق أصحاب مدرسة الرأى فى التشريع ، وتلاميذ ابن
مسعود أستاذ أصحاب الرأى.
وقد فرق قوم بين
التفسير والتأويل ، بناء على الاعتماد على النقل والعقل.
فعنوا بالتفسير ما
اعتمد فيه على النقل ، مما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم والصدر الأول ، وخاصة فى الأمور التوقيفية التي ليس للعقل
فيها كبير مجال ، كتفسير الحروف المقطعة : الم ، حم ، يس ، وكأسباب النزول ،
والناسخ والمنسوخ ، وعنوا بالتأويل ما يعتمد فيه على الاجتهاد ، ويتوصل اليه
بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها فى لغة العرب واستعمالها بحسب السياق ومعرفة
الأساليب العربية واستنباط المعاني من كل ذلك.
وقد انقسمت كتب
التفاسير إلى هذين النوعين : كتب التفسير بالمأثور ، وكتب التفسير بالمعقول.
وسنرى عند الكلام
عن تفسير مقاتل ـ ومنهجه هو موضوع هذا البحث ـ كيف فسر مقاتل القرآن الكريم وتحت
أى نوع من هذين النوعين ينبغي أن نضع تفسيره.
__________________