ثم إن الله سبحانه بعد وصف الخلق والخليقة وآدم والذرية أعلمنا محل فنائنا عن هذه الأوصاف الكاملة والصنائع الشريفة لتربية أخرى في التراب ، وإظهار زيادة قدرة فينا بإدخال حياة ثانية في أشباحنا وتربية ثانية في أرواحنا بقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥)) الموت يتعلق بصعقة سطوات العزة ، وظهور أنوار العظمة ، وحياتنا تتعلق بكشف جمال الأزلي ، هنالك تعيش الأرواح والأشباح بحياة وصالية لا يجري بعدها موت الفراق.
قال الحسين : ملك الموت هو موكل بأرواح بني آدم ، وملك الفناء موكل بأرواح البهائم ، وموت العلماء هو بقاؤهم إلا أنه استتار عن الأبصار ، وموت المطيعين المعصية إذا عرف من عصاه.
وقال بعضهم : من مات من الدنيا خرج إلى حياة الاخرة ، ومن مات من الاخرة خرج منها إلى الحياة الأصلية ، وهو البقاء مع الله.
ثم بيّن سبحانه وصف أعلام قدرته ، وعجائب صنوف صنعه في خلقه من سماواته وما فيها من طرقها إلى عالم ملكوته بقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)) وضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة ، وتلك الطرائق : طريق الروح إلى معادن الربوبية وعرفانها بالحقيقة ، فمنها طريق العقل ، ومنها طريق العلم ، ومنها طريق الحكمة ، ومنها طريق المعاملة ، ومنها طريق النفس ، ومنها طريق القلب ، ومنها طريق السر ، وطريق العقل التفكر في الالاء والنعماء ، وطريق العلم معرفة الخطاب بطريق الحكمة المعرفة بحقيقة الأشياء ، وطريق المعاملة تحصيل ذوقها وصفاتها باستعمال الاداب ، وطريق النفس قطعها عن حظوظها والمعرفة بمكائدها وأخلاقها ، وطريق القلب المعرفة بنازلات لطائف الغيب فيه ، وطريق السر معرفة اتصالها بنور الحضرة.
فمن قطع هذه الطرق يصل إلى سبع الصفات ، ورؤيتها والعلم بها حتى يصل إلى بحار الذات ، واستغرق فيها بنعت الحيرة ، فإذا استغاث من حيرته به أدركه بفيض المعرفة والوصلة ، وذلك معنى قوله : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)) ظاهر الاية تنبيه يوجب الإجلال والتعظيم في منازل المراقبات ؛ فمن بقي في هذه الحجب السماوية والأرضية وارتهن بشيء منها ، فقد انقطع عن مواصلة المشاهدة.
قال أبو يزيد في هذه الاية : إن لم تعرف ؛ فقد عرفك ، وإن لم تصل إليه ؛ فقد وصل إليك ، وإن غبت أو غفلت عنه ؛ فليس عنك بغائب ولا غافل ، قال الله تعالى : (وَما كُنَّا عَنِ