وقيل : لا يضلّهم بعد إذ هداهم إليه.
وقال الأستاذ : الإشارة فيه أنه لا سلب لعطائه ، إلّا بترك الأدب منكم.
ويقال : من أهله لبساط الوصلة ما مني بعده بعذاب الفرقة ، إلّا لمن سلب منه ترك الحرمة.
ثمّ وصف نفسه بأنه مالك الملك من العرش إلى الثرى ؛ إعلاما بأن الحكم له في الضلالة والهداية والحياة بالوصلة ، والموت بالفرقة ، بقوله : (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
إشارة القهر أن ملك الكون لا خطر في قلب العارف عند رؤية المكوّن ؛ لأن من عاين المكّون غاب عن الكون ، والكون له ؛ لأن العارف والمعروف بشرط الانبساط واحد ، له ملك الولاية في الأرض ، وملك الملكية في السماء ، من قصده لهاتين المنزلتين يكون مرهونا للدرجات عن المشاهدات ، التي تحيي قلوب العشاق بجمالها ، وتميت المشغولين بغيره ، بفراقها ، وتحيي قلوب العارفين بالبسط والأنس ، وتميت نفوسهم بالقبض والهيبة.
قال ابن عطاء : من طلب من الملك غير المالك ، فقد أخطأ الطريق.
وقال جعفر : الأكوان كلّها له ، فلا يشغلك ما له عنه.
قال الأستاذ : يحيي من يشاء بعرفانه وتوحيده ، ويميت من يشاء بكفرانه وإلحاده. ويقال : يحيي قلوب العارفين بأنوار المواصلة ، ويميت نفوس العابدين باثار المنازلة.
(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١))