ويحذّرونهم عن غير الله ، يتواصون بالإقبال على الله ، وترك الانشغال بغير الله. و (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) يحفظون الله مع الله أنفاسهم.
قيل في قوله : السّئحون الذين يسيحون في الأرض على جهة الاعتبار ؛ طلبا للاستبصار ، ويسيحون بقلوبهم في مشارق الأرض ومغاربها ، بالتفكّر في جوانبها ومساكنها ، والاستدلال بتغيّرها على منشئها ، والتحقّق بحكمة خالقها ، كلما يرون من الايات التي فيها ، ويسيحون بأسرارهم في الملكوت ، فيجدون روح الوصال ، ويعيشون بنسيم الأنس ، والتحقّق بشهود الحقّ.
(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦))
قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) إنّ الله سبحانه إذا أذاق طعم وصاله ، ولذائذ حلو خطابه أرواح الصدّيقين والعارفين ، وأراهم جماله وجلاله ، فجعلهم عاشقين بوجهه ، شائقين إلى جماله ، وهم بهذه النعوت لا يبرحون عن بابه ، ولا يفرحون إلا بوصاله ، ولا يلتفّون بقلوبهم ونيّاتهم إلى غيره ، فلمّا اصطفاهم بهذه الصفات في الأزل بنفسه ، كيف يحجبهم عن نفسه ، وهو بذاته كان محبّا بحبّهم ، وعاشقا بعشقهم ، وشائقا إلى شوقه ، حاشا التغيير في أهل الصفات ، ولا تبديل الكلمات التامات التي سبقت باصطفائيتهم في الازال ، وآزال الازال ، وهم بحمد الله في كنف الله ، محروسون بعين لطفه عن عين قهره إلى الاباد وآباد الاباد ، ولا اعتبار بما يجري عليهم من أحكام الابتلاء والامتحان ، فإنّ سيئاتهم توجب الحسنات ، وحسناتهم توجب القربات ، وهم غير مأخوذين بالجنايات ، لسبق العنايات.
وقوله تعالى : (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) لا يمنع تغيير ما ذكرنا ، فإنّ الضلال هاهنا ظهور النكرة في محلّ الامتحان من القهر والغيرة ، وخفاء الحال ، والغرض في ذلك انفتاح عين المعرفة في النكرة ، حتى يعرفوا الحقّ بطريق القهر واللطف ، وتأويل الظاهر.
قال بعضهم : من جرى له في الأزل من السعادة والعناية نصيب ، فإنّ الجنايات لا تؤثّر عليه.
قال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً) في الأبد ، (بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) في الأزل.