ولي أيضا لطيفة في حقّ المؤمنين ، أنّ الله سبحانه ذكر أوصاف هؤلاء الكبراء من أهل المقامات والدرجات ، وما ذكر ذكر البشارة هناك ، كأنّ ذلك يقتضي حزن المؤمنين الذين هم في أدنى الدرجات من درجاتهم ، فبشّرهم بالبشارة ، وعاملهم بالبيع والشراء.
قال في الأول : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) ، وقال في آخر الاية : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : اشتريت منهم نفوسهم بثمن كريم.
قال : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) : بأنّ ذلك الثمن الكريم جنّة مشاهدتي ، التي بسّامة بنعت الرضا في وجوههم حين تطلع لعيونهم ، وأن ليس لهم هذه المقامات ، فأنا مشتري المفلسين ، وأنا مبشّر المحزونين ، أي : الدرجات لهؤلاء ، وأنا للمؤمنين خاصة بلا علّة المعاملة ، ولا شبهة الجهد والجاهدة ، وأيضا : بشّر المؤمنين بهذه المقامات ، فإنّها أيضا من أهل المقام بإيمانهم بهؤلاء الأصفياء.
ألّا ترى إلى قول رويم ـ قدّس الله روحه ـ حيث قال : من آمن بكلامنا هذا من وراء سبعين حجابا ، فهو من أهله.
قال سهل في قوله : (التَّائِبُونَ) : ليس في الدنيا شيء من الحقوق ، أوجب على الخلق من التوبة ، إلا بالحمد على ما وقفت به عليه من طلب طريق التوبة ، ولا تصحّ التوبة إلا بمداومة السياحة والرياضة ، ولا تدرك هذه المقامات ، إلا بمداومة الركوع والسجود ، ولا يصحّ هذا كلّه ، إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يصحّ مما تقدّم ، إلا بحفظ الحدود ظاهرا وباطنا.
والمؤمن من تكون هذه صفته ؛ لأنّ الله يقول : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الذين هم بهذه الصفة.
قيل في قوله : التّائبون الراجعون إلى الله بالكلّية عن جميع ما لهم من صفاتهم وأحوالهم ، العابدون القائمون معه على حقيقة شرائط الخدمة ، الحامدون العارفون نعم الله عليهم في كلّ خطرة وطرفة عين.
(السّائحون) الذين حبسوا أنفسهم عن مرادها ؛ طلبا للرضا.
(الرّاكعون) الخاضعون له على الدوام.
(السّاجدون) الطالبون قربه.
(الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) الامرون بسنّة النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
(وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن ارتكاب مخالفات السنن.