في صدقه معارض بحال.
قال أبو سعيد الخرّاز : الصديق الأخذ بأتم الحظوظ من كلّ مقام سني حتى يقارب من درجات الأنبياء.
وقال الجنيد : الصديق القائم مع الحق بلا واسطة.
قوله تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) هذا سلام الإعراض عن الأغيار ، وتلطف الأبرار بالجهال ، قال تعالى : (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [المزمل : ١٠].
قال أبو بكر بن طاهر : لما بد منه كلام الجهال من الدعوة إلى آلهته والوعيد على ذلك أن خالقه جعل جوابه جواب الجهّال بالسلام ؛ لأن الله قال : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣)) [الفرقان : ٦٣].
ثم إن الله سبحانه أخبر عن صديقية إبراهيم من تبرئه عما دون الله بقوله : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) العيش الهني صحبة الأبرار مع ترك مصاحبة الأشرار.
قال أبو تراب النخشبي : صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار.
قوله تعالى : (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨)) تكلم من حقائق يقينه أنه عند الله على شرف كامل ، وأنه مجاب الدعوة ؛ فطمع في الحق ما طمع من نظره إلى علومه المجهولة الغيبية.
قال عبد العزيز المكي : كان الخليل عليهالسلام يهاب به أن يدعوه ويذكره ويعظمه ألا يكون يدعوه بلسان لا يصلح لدعائه على استحياء وحشمة وخيفة وهيبة بعد معرفته بجلاله ، فلما ترك صحبة المنكرين رزق الله من نفسه أنبياء بقوله : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) من ترك الخليقة فالله خليقته في كل مراد جعل سبحانه إسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد ـ صلى الله عليه وعليهم وسلم أجمعين ـ وموسى ويحيى وجميع الأنبياء والرسل بعده عوضا له من أبيه آزر ، كان عليهالسلام ضيق الصدر من هجران أبيه عنه ، وعن دينه فجعل أخلافه من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصديقين عوضا لأبيه ؛ حتى لا يضيق صدره.
قال الواسطي : عوض الأكابر على مقدار الحدث جعل فهم التلاوة للأحكام ، وجعل لهم الحقيقة للأسقام قال الله : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ) ، وقال لموسى : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣)) ، ولما اعتزل محمد صلىاللهعليهوسلم الأكوان أجمع ، ولم يزغ البصر في وقت النظر وما طغى قيل (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)) [القلم : ٤] ، حيث لم يزاغ غيره حلّاه بصفته ؛ فقال :