حقيقيّا إلا بنعت فناء ما دونه ، فإذا فني الحدث في القدم صار الذكر صافيا.
وأيضا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) ما جدت منه ، فإن الوقوف في المقامات حجاب ذكر الحقيقة.
وأيضا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) فسك فإن في رؤيتك وجودك ، وبقاء وجودك لا يكون الذكر بحقيقة الانفراد ، و
رسم أفراد القدم على حدوث ، ثم أمره سبحانه أن يخاطب أهل السر من المعرفة بترجيه وصول أدنى الدنو وأعلى العلو بقوله : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً). كان صلىاللهعليهوسلم أقرب الخلق من الله بنفس المعرفة والاصطفائية الأزلية ، لكن كان مع محله وشرفه في حيز حقائق المعرفة ، قطرة في بحر الأزلية ، فأمره الحق أن يسأل منه مزيد ما فيه من طرائق حقائق عرفان الأزلية ، وأقرب ما يكون فيه من وصول الوصول ، فإن الحق غير متناه من جميع الوجوه.
قال ابن عطاء : إذا نسيت نفسك والخلق فاذكرني فإن الأذكار لا تمازج ذكرى.
قال الجنيد : حقيقة الذكر فناء الذاكر فيه ، والذكر في مشاهدة المذكور.
قال الشبلي : ما هذا خطاب أهل الحقيقة وأنّى ينسى المحق الحق فيذكره ، بل يذكر حياته وكونه.
وأنشد :
لا لأنّي أنساك أكثر ذكراك |
|
ولكن بذاك يجرى لساني |
وقال الجنيد : حقيقة الذكر الفناء بالمذكور عن الذكر ؛ لذلك قال الله تعالى :
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) أي : إذا نسيت الذكر يكون المذكور صفتك ، وقد وقع لي نكتة ها هنا.
قال تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) الذكر حق جميع الذات والصفات ولا نهاية لهما ، وذكر جميعه ما واجب الحقوق على الخلق والصفات القديمة ، والذات الأولى غير مذكور بذكر الحدثان ، كأنه تعالى أعلم نبيه صلىاللهعليهوسلم جميع فكره ما بلغ إلى وصف ذرة من صفته ، فكل وقت مع جميع ذكره في حد النسيان ، حيث لا يبلغ ذكره حقائق القدم.
قال : (وَاذْكُرْ) بعد ذكرك ولا تفتر عن ذكرك ، فإن ذكرك على السرمدية واجب أبدا ؛ لأن بعد كل ذكر نسيان عن الباقي ، فإذا لا ينقطع الذكر أبدا يدل على ما ذكرنا.
قوله تعالى : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً).
أي : بمعرفتي معرفة المذكور بنعت مشاهدته ، ورؤية ذاته وصفاته ، بوصف فنائي