(قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) من أصحابهم والذين يلون أمرهم تبركا بهم وبمكانهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) يصلي فيه.
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤))
قوله تعالى : (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) بيّن أن القوم بلغوا إلى مشاهدة جلال أزله ، وأغرقهم في بحار أبده ، ووجدوا منها جواهر أسرار محبته ، وقرب وصاله ما لا يطلع عليها أحد غير الله ، فنفى إحاطة علم الغير بهم فكأنه أخبر عما عمرهم من سطوات العزة ، واستيلاء قهر الربوبية ما أفناهم أي : أنا أعلم بما هم فيه من فنائه في الوجد والموجود ، أخبر عن عظيم ما ورد عليهم من سلطان قهر مشاهدة قدمه.
قال ابن عطاء : (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) حيث أظهر عليهم عجائب صنعه ، وجعلهم أحد شواهد عزته ، وجعلهم بالمحل الذي خاطب به النبي صلىاللهعليهوسلم فهمّ فقال : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) [الكهف : ١٨]
(سَيَقُولُونَ) أي : الظاهريون من أهل الكتاب والمسلمين الذين لا علم لهم بالحقائق وقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي : رميا بالذي غاب عنهم يعني ظنّا خاليا عن اليقين بعد قولهم : (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ) ببنائه والامرون هم الغالبون الذين قالوا : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) يسجد أي : ينقاد فيه جميع القوى الحيوانية والطبيعية والنفسانية ، والمأمورون هم المغلوبون الفاعلون في البدن ، المبعوث فيه ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) إن الله سبحانه أعلم نبيه وأدب حبيبه في منازل العبودية ومشاهدة الربوبية بمحو الوجود عند وجود القديم الأزلي ، وأن يرى الكل قائما بالله في مقام التوحيد مع الكل في غير الجمع بائنا عن الكل في أفراد القدم عن الحدوث ، ومحض التجريد والتفريد ، وقطع حدود علوم الخليقة عما في المشيئة الأزلية