عنده ليستفيد بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه فيفيدنا أو ليتلطف في أمره حتى لا يشعر بحالكم ودينكم جاهل من غير قصد.
(وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) من أهل الظاهر المحجوبين ، وسكان عالم الطبيعة المفكرين ، وإن أوّلنا أصحاب الكهف بالقوى الروحانية فالبعوث هو الفكر والمدينة محل اجتماع القوى الروحانية والنفسانية والطبيعية ، والذي هو أزكى طعاما العقل دون الوهم والخيال والحواس ؛ لأن كل مدرك له طعام والرزق هو العلم النظري على كلا التقديرين :
(وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) من القوى النفسانية.
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا) أي : يغلبوا (عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ) بحجارة الأهواء والداعي من الغضب والشهوة ، وطلب اللذة فيقتلوكم بمنعكم عن كمالكم.
(أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) باستيلاء الوهم وغلبة الشيطان والإمالة إلى الهوى ، وعبادة الأوثان على التأويل الأول ظهور العوام ، واستيلاء المقلدة والحشوية المحجوبين ، وأهل الباطل المطبوعين ، ورحمهم أهل الحق ودعوتهم إياهم إلى ملتهم ظاهر كما كان في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) أي : مثل ذلك البعث والإماتة ، اطلعنا على حالهم المستعدين القابلين لهديهم ومعرفة حقائقهم (لِيَعْلَمُوا) بصحبتهم وهدايتهم.
(أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والجزاء (حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أي : حين يتنازع المستعدون الطالبون بينهم أمرهم في المعاد ، فمنهم من يقول : إن البعث مخصوص بالأرواح المجردة دون الأجساد.
ومنهم من يقول : إنه بالأرواح والأجساد معا ، فعلموا بالاطلاع عليهم ومعرفتهم أنه بالأرواح والأجساد ، وأن المعاد الجسماني حق.
فقالوا (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) أي : فلما توفوا قالوا ذلك كالخانقاهات والمشاهد والمزارات المبنية على الكمل المقربين من الأنبياء والأولياء كإبراهيم ومحمد ، وعلي وسائر الأنبياء والأولياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) من كلام أتباعهم من أممهم المقتدين بهم أي : هم أجل وأعظم شانا من أن يعرفهم غيرهم الموحدون الهالكون في الله المتحققون به ، فهو أعلم بهم ، كما قال الله تعالى : «أوليائي تحت قبائي لا يعرفونهم غيري» (١).
__________________
(١) ذكره الشيخ حقي في روح البيان (٩ / ٧٩).