صاحب الرفيق الأعلى ، والمخبر عن مقام الأدنى ، المذكور اسمه بعلّة محمد سيد الورى صلىاللهعليهوسلم بعدد ذرات ما بين العرش إلى الثرى.
قال محمد بن الفضل : تفضيل الأنبياء بالخصائص كالخلّة والكلام والمعراج وغير ذلك ، فضّل البعض منهم على بعض ، وفضل محمدا صلىاللهعليهوسلم على الجميع ، ألا تراه يقول : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» (١) ، كيف أفتخر بهذا وأنا بائن منهم بحالي ، وأقف مع الله بحسن الأدب؟ لو كنت مفتخرا لافتخرت بالحق والقرب والدنو منه ، فلمّا لم أفتخر بمحل الدنو والقرب كيف أفتخر بسادة الأجناس.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ردّ الله بهذه الاية رغام التغيير على أنوف المبطلين ، الذين يشيرون إلى غيره بالعبودية من الملائكة والأنبياء ، مثل عيسى عليهالسلام وعزير وبعض من مؤمني الجن ، وهؤلاء الذين يشير إليهم الظلمة بأنهم معبودون ، فإنهم على باب كبرياء الأول يعجزون تحت أنوار عظمته ، حتى يصيروا في حد الفناء من عظمة الله وجلاله ، يطلبون وسيلة قربة من الله تشفعهم عنده ؛ لأنهم يخافون من سلطان قهره ، ويطمعون في كشف جماله بقوله : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) ، وأخص الوسيلة كرمه القديم وإحسانه العميم ، ثم بعد ذلك أقرب الوسيلة إليه من كان معرفته به أكثر ، وخوفه منه أوفر ، ومقام الوسيلة مقام الشفاعة ، وتلك خاصة لمحمد صلىاللهعليهوسلم وهي المقام المحمود ، وكل شفاعة منه تتشعب إلى غيره ، وهو أقرب الوسائل إلى الله ، كان الكل يجعلونه وسيلة إلى الله الأنبياء والملائكة وغيرهم.
ووصف الله طلاب هذه الوسيلة بالخوف والرجاء ، والخوف صدر من أنوار عظمته ، والرجاء صدر من أنوار جماله ، فالصادق يطير إلى الحق بجناح نور الجمال والجلال ، وهما وسيلتاه منه له إليه يقربانه من الله ، فينظر إلى الجلال فيفنى ، وينظر إلى الجمال فيبقى ، وبهما نظام العبودية ، وعرفان الربوبية.
قال سهل : الرجاء والخوف زمامان على الإنسان ، فإذا استويا دامت له أحواله ، وإذا رجح أحدهما بطل الاخر.
ألا ترى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» (٢).
قال بعضهم : رجاء الرحمة هو طلب الوصول إلى الرحيم ، وخوف العذاب هو الاستعاذة من قطعه ، فلا عذاب أشدّ من ذلك ، ما سهل رجاء الرحمة في الظاهر الجنة ، وفي
__________________
(١) رواه ابن ماجه (٢ / ١٤٤٠).
(٢) رواه البيهقي في الشعب (٢ / ١٢) بنحوه.