قال الأستاذ :
إن في الدنيا مشاهدة ، وفي الاخرة معاينة ، ثم وصف لهؤلاء المحسنين المتقين بطيب
قلوبهم وأرواحهم عند خروجهم من الدنيا ، بقوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
طَيِّبِينَ) في الدنيا بطيب نفحات مسك تجليه وتدليه وفي الاخرة بطيب
مشاهدته ووصاله ، أيضا طيبين بطيب محبته ، طيبين بطيب معرفته ، طابت نفوسهم في
خدمة مولاها ، وطابت قلوبهم في محبة سيدها ، وطابت أرواحهم بطيب مشاهدة ربها ،
وطابت أسرارهم بطيب الأنوار ، هؤلاء مقدسون من شوب الحدثان ، وإشراك الأصنام ،
تقدست نفوسهم من لوث الطبيعات ، وتقدّست قلوبهم من لطخ الشهوات ، وتقدّست أرواحهم
من الوقوف في الايات ، وتقدّست أسرارهم من علائق الكرامات ، طابوا بطيب المناجاة ،
واستأنسوا بأنس المداناة ، وسكروا بوجوه المشاهدات ، وصلحوا في مجالس أنوار الصفات
، وطاروا بأجنحة الشوق والمحبة في أنوار الذات ، طيب الله قلوبهم ؛ حيث جعلها
متصفة بأنوار شهوده عليها ، فطابت الوجود بوجودهم ، وفاحت فارات مسك محبتهم في
الافاق ، فما أطيب ذلك الطيب إذا تنفسوا من غلبات الشوق إلى جماله ، واستنشاقهم
طيب وصاله ، هبت عليها ريح الشمال وحملت أنفاسهم ، ودارت حول الكونين ، فطابت
الأكوان والحدثان من طيب أنفاسهم ، لأنها رياض جمال الحق ، وموضع أنفاس الرحمن.
ألا ترى كيف
قال سيد أهل الأنفاس عليهالسلام : «إنّي أجد نفس الرحمن من قبل اليمن» .
وقال : «إن
لربكم في أيام دهركم لنفحات ، ألا فتعرضوا لنفحات الرحمن» .
عرائس جود
المشاهدة هناك تتبختر ، فتطيب بطيبها تلك الأنفاس الربانية ، فطابت السماوات
والأرض وأهلها بطيبها ، كما قيل :
تضوع مسكا
بطن نعمان إن مشت
|
|
به زينب في
نسوة عطرات
|
قيل : أي طيبة
أبدانهم وأرواحهم بملازمة الخدمة وترك الشهوات.
وقال أيضا : أي
: لم يتدنسوا من الدنيا وخبثها بشيء.
قال أبو حفص :
ضياء الأبدان بمواصلة الخدمة ، وضياء الأرواح بالاستقامة.
قال الأستاذ :
طيبين تفيض أرواحهم طيبة ببذلها نفوسهم.
(إِنْ تَحْرِصْ عَلى
هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧)
وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى
وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ
__________________