النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣)
قوله تعالى : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) بيّن سبحانه جلال كرم حبيبه ، وشفقته على خلقه ، محبة لدينه ، ونظاما لعبوديته ، ثم فإن لا يضيق صدرك لأجل من أغويته في الأزل عن طريقك ، فإنك لا تهديه ، فإن من طرده سابقة إرادته الأزلية ، يقدر الحدثان حسم باب الطرد عليه ، فإن العبودية من خلقه يتعلق بتخصيص من خصّه بمعرفته ، وألبسه لباس عبوديته ، ومن ألبسه لباس قهره فأنت لا تقدر أن تنزع ذلك عنه ، فإنّ جريان أمر القدم لا يدفعه إلا القدم ، وإنما بعثت الرسل لبيان الشريعة ، ووضوح الطريقة لأشركتهم في الهداية.
قال الواسطي : السعادة والشقاوة والهدى والضلالة جرت في الأزل بما لا تبديل فيها ، ولا تحويل وإنما يظهر في الأوقات رسما على الأجسام ، والهياكل لا صنع فيها لأحد ، وليس يقدر عليها خلق ، بل هي إرادة جرت في الأزل بعلم سابق قصرت عنه أيدي الأنبياء وإلى الأولياء بقوله : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) وتصديق ما ذكرنا ، وما أشار إليه.
قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي : لا يكون كون الأشياء إلا بتكويننا إياها ، إما في الإيجاد ، وإما في الهداية ، وبيان هذه الاية إنّ لذاته تعالى صفات قديمة أزلية ، منها الإرادة والمشيئة ، وهما سابقتان قبل كل سابق ؛ لأنهما قديمتان جرتا لكون الكون وما فيه ، لا أن تكونا تحدثان في الحق ؛ لأنه منزه عن البدء الذي خلا عنه الإرادة والمشيئة في سابق العلم.
إنّما أراد الله الأشياء في القدم وعلمه كان مقرونا بإرادته ، وكان الوجود موجودا في علمه مريدا لإرادته ، وكان قادرا بقدرته القديمة بإيجاد الكون بمحض الإرادة ومعلوم العلم ، ولكن لو أوجد لكان معا معا ، ولوجدان الحدثان رتبة القدم أخرها بغير علة ، ولا لوقت من الأوقات ، أراد حدوث الحدث وإحداثه فعلم وجوده ، وبعد أن كان معدوما فأوجد بتمام الصفة حتى يكون على حد الكمال ؛ لأنه تعالى خلق الأشياء بمباشرة نور ذاته وجميع صفاته ، فالقول منه صفة من صفاته ، فقال للمعدوم : كن بتكويننا إياك حتى يكون ذلك المعدوم