وقالوا : (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) لم يحتشموا أباهم ، ولم يراعوا حقه في المخاطبة ، فوصفوه بالضلال في المحبة.
ويقال : إن يعقوب عليهالسلام قد يعرف من الرياح نسيم يوسف عليهالسلام ، وخبر يوسف عليهالسلام كثيرا حتى جاء الأذان للرياح ، وهذا سنة الأحباب مساءلة الديار ومخاطبة الأطلال.
وفي معناه أنشدوا :
وإنّي لأستهدي الرّياح سلامكم |
|
إذا أقبلت من نحوكم بهبوب |
وأسألها حمل السّلام إليكم |
|
فإن هي يوما بلّغت فأجيبي |
(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩))
قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي : أنت غائب بسرك في وادي العظمة ، وبروحك هائم في فقاد الأزلية ، وبعقلك تائه في شوامخ القدرة ، وبقلبك مستغرق في بحار الشوق والعشق والمحبة ؛ فترى من كل ناحية جمال معشوقك ، وتستنشق من جميع الرياح نسيم محبوبك ، وأنت واله لا يعتبر قولك بهذا ، فأنت تخبر بخبر العاشقين وهيجان المحبين.
قال جعفر : سئل بعضهم : ما العشق؟ قال : ضلال ، ألا ترى إلى قوله : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ).
ثم أظهر أنه برهان صدقه وصفاته بالمعجزة الظاهرة بقوله : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) الإشارة فيه أن العاشق الهائم المنتظر لقاء الحق سبحانه ، وذهب عينه من طول البكاء يجيء إليه بشير تجليه ؛ فيلقي على وجهه عهد أنسه ورد قدسه ، فينفتح عينه بنسيم شمال وصاله ، فإذا يرى الحق بالحق لما وصل قميص الحبيب إلى وجه المحب رجع إليه نور عينه ؛ لأنه وجد لذة نفحة الحق من قميص يوسف عليهالسلام محل تجلي الحق ، وقلبه مهب شمال جلاله ، وجد منه ريح جنان قدسه ياسمين أنسه ، ومحال أن من وصل إليه شمال جلاله يبقى علة غيرة الفراق ، وظلمة العمر ؛ لأن نسيمه طبيب أسقام العاشقين ، وآلام المحبين ، ألا تري إلى قول القائل :